الرخص التي تُستباح في السفر هي القصر -قصر الصلاة- والجمع بين الصلاتين الظهرين والعشاءين، والفطر في رمضان، والمسح ثلاثة أيام بلياليها، هذه رخص السفر، والجمهور على أن السفر له مدة وله مسافة، سيأتي ذكرها، وأطلق بعض أهل العلم الحكم تبعاً لإطلاق النصوص، فما دام يسمى مسافراً فله أن يترخص، ولو زادت المدة أو قصرت المسافة، وعامة أهل العلم على أنه لا يترخص إلا في سفر مباح، ولو كان للنزهة، ومنهم من قال: لا يترخص إلا في سفر طاعة كالحج والعمرة والغزو وطلب العلم، وما أشبه ذلك، ومنهم من أجازه في مطلق السفر؛ لأن النصوص ما قيدت حتى في سفر المعصية، وهذا هو المعروف عند الحنفية، وكأن شيخ الإسلام -رحمه الله- يميل إليه؛ لأن النصوص مطلقة، وعمدة الجمهور ومعولهم على أن العاصي لا يُعان على معصيته، ولا شك أن الترخص يوفر له الجهد، ويوفر له الوقت، فلا يعان على معصيته، والمضطر لأكل الميتة يشترط ألا يكون غير باغٍ ولا عادٍ، فإن كان باغياً أو عادياً عاصياً فإنه لا يباح له أن يترخص فيأكل من الميتة، ومن باب أولى ألا يترخص في عباداته، فلا يعان على معصيته بتوفير الجهد وتوفير الوقت، ولعل هذا هو الصحيح؛ لأن شرعية الرخص في السفر إنما هي للتخفيف؛ لأن السفر قطعة من العذاب كما جاء في الحديث الصحيح، والمشقة لازمة له في الأصل، وإن كان السفر في هذه الأزمان خفت مشقته كثيراً، وصار في بعض صوره متعة، وقد يكون بعض الناس في بيته وبين أولاده أكثر مشقة منه في السفر، وبأسفاره يتخلص من كثير من الأعباء التي يقوم بها في بلده، لكن علقت هذه الرخص بوصف وهو السفر، فإذا وجد هذا الوصف فإنه يوجد ما علق عليه.