وجاء فعل بعض النوافل فيهما، في الوقتين الموسعين أقر النبي -عليه الصلاة والسلام- من صلى راتبة الصبح بعدها، وصلى راتبة الظهر بعد العصر، فالوقتان الموسعان أمرهما أخف، فلو صلى فيهما الداخل لا حرج عليه، لكن في الأوقات المضيقة التي النهي فيها أشد، والمشابهة للكفار متحققة، هذه لا يصلى فيها؛ لأن التخصيص الذي قالوا: إنه يضعف عموم أحاديث النهي إنما جاء في الوقتين الموسعين، ما جاء في الأوقات المضيقة، اللهم إلا الفرائض، والفرائض ليست داخلة في النهي، وإلا جاء في الحديث:((من أدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) فالفرائض ليست داخلة، أما النوافل فهي التي يشملها النهي، وعلى هذا المخصصات التي دخلت في عموم أحاديث النهي إنما هي مخصصات في الوقتين الموسعين، وليست في الأوقات المضيقة الثلاثة، إضافة إلى أن من أهل العلم من يرى أن النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر ليس لذات الوقتين، وإنما خشية أن يسترسل الإنسان في الصلاة إلى أن يحضر الوقت المضيق، فالنهي عن الصلاة فيهما لا لذاتهما، وإنما سداً لذريعة الصلاة في الأوقات الثلاثة المضيقة.
فالذي قررناه مراراً أن الأمرين الموسعين الأمر فيهما سهل، لو صلى الإنسان لا يثرب عليه، ولو جلس أيضاً لا يثرب عليه، أما الأوقات الثلاثة فلا وجه للصلاة فيها.
البخاري -رحمه الله تعالى- لما ترجم في صحيحه في كتاب المناسك في كتاب الحج باب الطواف بعد الصبح وبعد العصر، أورد أحاديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، أورد أحاديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، وقال: وصلى عمر -رضي الله عنه- ركعتي الطواف بذي طوى، يعني طاف بعد الصبح، لكن ما صلى الركعتين إلا بذي طوى لما ارتفعت الشمس، وأورد ابن حجر في شرح الترجمة حديث جابر:"ما كنا نطوف مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد الصبح ولا بعد العصر" لا لأن الطواف لا يسوغ في هذا الوقت، لكن لما يلزم عليه من الصلاة في وقت النهي، لكن لو أن الإنسان طاف بعد الصبح وبعد العصر وأخر الصلاة إلى أن يخرج وقت النهي انتهى الإشكال.