وفي الحديث الصحيح في البخاري وغيره:((ما يسرني أن لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا دينار أرصد لدين، إلا أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا)) عن يمينه وشماله ومن أمهامه ومن خلفه، ينفق من كل جهة، وعلى كل وجه، فالرواية ليس فيها قلب، يعني يمكن حملها على وجه يصح، وإن كان الأصل أن الأخذ والإعطاء باليمين، ولا يمنع أن يقع ذلك بالشمال لظرف من الظروف؛ ليتم الإخفاء الذي المقصود من سياقه هو الإخفاء، الإخفاء لا شك أنه أدعى إلى الإخلاص، لكن قد يستدعي الحال أن يكون الإنفاق علانية، قد يستدعي بعض الأحوال أن يكون الإنفاق علانية أفضل {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ} [(٢٧١) سورة البقرة] لا شك أن الإخفاء أقرب إلى الإخلاص وأدعى إليه، لكن قد يكون الإنسان بحيث لا ترتفع منزلته عن التهمة، إذا كانت كل صدقاته خفية اتهمه الناس بأنه لا يؤدي ما أوجب الله عليه، ووقعوا في عرضه، كما هو الحال في التطوعات والصولات في المسجد مثلاً، صلاة التطوع في البيت أفضل إلا المكتوبة، لكن إذا كان بصدد أن يقتدي به الناس عالم لا يصلي نوافل في المسجد، ثم يخرج العامة بدون نوافل، لماذا؟ والله لو أن النوافل فيها فضل كان صلاها الشيخ فلان، طيب صلوا مثل الشيخ فلان في بيوتكم، هم ما يدرون، فإذا كان إظهار العمل من أجل الاقتداء، فجاء فيه:((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)) وهذا في صدقة العلانية، ويبقى أن الأصل الإخفاء؛ لأنه أقرب إلى الإخلاص.