نأتي إلى المباشرة والتسبب عند أهل العلم أنه إذا وجد مباشر أو متسبب فالتبعة على المباشر ولو وجد المتسبب إلا أنه يأخذ نصيبه من العقاب، لكن ليس كعقاب المباشر، لو أن شخصاً -يمثل به أهل العلم- لو أن شخصاً رمى آخر من شاهق فتلقاه آخر بالسيف قبل أن يصل إلى الأرض فالقاتل الرامي وإلا صاحب السيف؟ صاحب السيف لأنه هو الذي باشر القتل، وذاك متسبب، لو أن شخصاً دفع آخر حتى دهسته سيارة القاتل صاحب السيارة، وهذا متسبب إلى غير ذلك من الصور التي يذكرها أهل العلم، ولا شك أن المتسبب عليه نصيبه وكفله من العقوبة، لكن مع ذلك لا يصل إلى عقوبة المباشر، إذا كان المباشر غير أهل للعقوبة يرجع إلى المتسبب، لو أن شخصاً أعطى مجنوناً سيفاً وقال: اقتل فلان فقتله يُرجع إلى المتسبب دون المباشر؛ أو لو كان صبي مثلاً، فإذا كان هذا الذنب العظيم ومن كبائر الذنوب قد رُتب على التسبب فالمباشرة من باب أولى.
نعم.
وعن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في يده في نار جهنم، خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم، خالداً مخلداً فيه أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن الأعمش" سليمان بن مهران "عن أبي صالح" ذكوان السمان "عن أبي هريرة -رضي الله عنه-" وجاء في التابعي والراوي عنه والعادة الاقتصار عن الصحابي، جرت عادته كغيره من المصنفين في المتون والمختصرات أن يقتصروا على الصحابي مخرج الحديث، وهنا ذكر التابعي ومن دونه لأن الأعمش مدلس، وروى الحديث بالعنعنة.
وفي الصحيح عدة كالأعمشِ ... وكهشيم بعده وفتشِ
يعني من المدلسين، إلا أن عنعنات المدلسين في الصحيحين محمولة على الاتصال، ومع ذلك أورده من أجل هذه النكتة، ذكره من أجل هذه النكتة.
"عن أبي صالح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قتل نفسه بحديدة)) " أو بسم، أو تردى، فعليه الوعيد المذكور في الحديث.