((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) هذا من فضل الله -جل وعلا- على هذه الأمة، ومن يسر هذه الشريعة وسهولتها وسماحتها؛ لأن هذا الأمر في غاية الحرج والضيق لو لم يرد مثل هذا النص، لكن جاء الأمر بهذه السعة ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) وهذا خطاب لأهل المدينة، ومن كان على سمتها ممن تكون القبلة بالنسبة له ما بين المشرق والمغرب، كمن كان على أو في جهة الشمال كالمدينة بالنسبة لمكة، أو جهة الجنوب، يعني المدينة والشام بين المشرق والمغرب، واليمن وما والاها من جهة الجنوب أيضاً قبلتهم بين المشرق والمغرب، لكن أهل المشرق؟ أهل المشرق قبلتهم على هذا الحديث تكون بين الشمال والجنوب، ومثلهم من كان في جهة المغرب بالنسبة لمكة، فإن قبلته ما بين الشمال والجنوب.
يذكرون عن ابن المبارك:"أن ما بين المشرق والمغرب قبلة لأهل المشرق" كيف يكون بين المشرق والمغرب قبلة لأهل المشرق؟ الكلام صحيح وإلا غير صحيح؟ يمكن توجيهه وإلا ما يمكن؟ هم وجهوه أهل العلم وجهوه، يعني يقصد بالمشرق جهة العراق وما والاها، ولا يقصد بذلك المشرق الواقع بالنسبة لمكة نصاً كنجد والبحرين، وما أشبهها نص، هذا لا يمكن أن يكون ما بين المشرق والمغرب قبلة بالنسبة لهم، ولا المغرب نصاً، لكن من كان في هذه الجهة يقال له: مشرق، وقبلته بين المشرق والمغرب، فلا يريد بذلك المشرق الذي هو مسامت إلى جهة الشرق بالنسبة لمكة، وإنما يريد من كان واقعاً في المشرق إلا أنه في جهة ليست مسامتة لمكة، وعلى هذا يترجح قول الجمهور بأن المراد في الاستقبال الجهة.
والقبلة لها علامات يستدل بها المسافر، وإذا كان الانحراف يسيراً فالأمر فيه سعة، ولذا حينما نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن استقبال القبلة ببول أو غائط، لا يكفي في ذلك الانحراف اليسير الذي لا يؤثر في الصلاة، بل لا بد من انحراف كثير مؤثر في الصلاة لا يصح معه الاستقبال.