"رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي على راحلته حيث توجهت به" متفق عليه، وفي رواية البخاري "يومئ برأسه قبل أي وجه توجه" ويكون إيماؤه بالسجود أخفض من إيمائه بالركوع، وإذا كان على سيارة مثلاً، راكب سيارة ومتجه والطريق فيه سيارات أخرى، وفيه أخطار، وقد ينوبه أو ينتابه شيء يعرضه للخطر، ففي حال الركوع بالإمكان أن ينظر إلى جهته التي توجه إليها، وينظر ويتقي بذلك الخطر، وأما بالنسبة للسجود الذي هو أخفض من الركوع يعني هل يلزم في السجود أن يسجد على طبلون السيارة والركوع يكون أرفع فيعرض نفسه للخطر؟ أو نقول: يومئ بركوع يشعر بأنه خالف جهة الاعتدال، والسجود أخفض منه وإن لم يمنعه من النظر؟ المقصود أن يكون أخفض من الركوع، والركوع يكون مخالف لهيئة الاعتدال، ولذا بعضهم يرى أن الصلاة على السيارة خطر، وأنها ليست مثل الدابة، وليست مثل الراحلة، وإذا قلنا بأنه يكتفى بإيماء يختلف فيه كل حال عن غيرها فلا خطر في ذلك -إن شاء الله تعالى-، هذا بالنسبة لقائد السيارة، أما بالنسبة للراكب هذا ما عنده مشكلة، وكلما قربت الصلاة من الحقيقة من الأصل هذا هو المطلوب، يعني الراكع بإمكانه أن يسجد سجود قريب من الحقيقي، يعني قريب من الأصلي، فعلى هذا لا يجوز له أن يخل بهذا وهو يستطيعه.
بالنسبة للاستقبال حال الاستفتاح، يعني جاء في الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استقبل القبلة يفتتح الصلاة، ثم بعد ذلك حيثما توجهت به، لكن هذا الحديث أقوى منه، ولم يذكر فيه الاستقبال، فهل نقول: إن هذا الحديث مقيد بالحديث الذي يدل على الاستقبال حال الاستفتاح، أو نقول: تلك صورة وهذه صورة وهذا أصح وأقرب إلى التيسير؟ لأنه قد يشق الاستقبال، والمسألة إنما حصل فيها هذا التخفيف من أجل التيسير على المكلفين، وتكليفهم بالاستقبال حال الاستفتاح فيه عسر ومشقة، لا سيما في بعض الأوقات في وقت زحام، يعني أنت في خط سريع وفي سيارات عن يمينك وشمالك كيف تستقبل؟ فالتكليف بالاستقبال على كل حال منافٍ لما شرع له هذا الحكم، وهو التطوع على الراحلة حيثما توجهت به.