للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: ((اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت)) " يعني ما تقدم من ذنوبي، وما سلف منها في أول عمري، ((وما أخرت)) يعني ما تأخر منها، وما وجد منها في آخر عمري، وليس معنى هذا الذنوب المتأخرة عن هذه الدعوة، يعني إذا قلت هذا الكلام في صلاة العشاء ((اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت)) هل معنى ما قدمت ما صدر قبل هذه الصلاة، وما أخرت ما يأتي بعد هذه الصلاة؟ يعني تستغفر من ذنب لم يحدث، أو تستغفر لذنوبك المتقدمة والمتأخرة يعني القديمة والجديدة؟ إذا قيل مثلاً: هذا قول جمع من العلماء المتقدمين والمتأخرين، هل معنى هذا أن المتأخرين ما بعد جو؟ هل يلزم منه العلماء ما بعد .. ؟ لا أبداً، ما يقول أحد هذا، إنما هم ممن عاش في الزمن القديم، وممن تأخر وجوده إلى الزمن المتأخر، فحينما تقول: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، اغفر لي يعني ذنب وقع يحتاج إلى دعاء مغفرة، فالذنوب المتقدمة والمتأخرة كلها واقعة.

ومنهم من يقول: إن المراد بالذنوب المتقدمة ما حصل وتقدم على هذه الصلاة، والذنوب المتأخرة ما يأتي بعد هذه الصلاة، يعني إن حصل مني ذنب فاغفره لي {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [(٢) سورة الفتح] فالمتقدم ((أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والآتية)) فمن هذا يعني يكفر الذنوب التي حصلت بالفعل، وما لم يحصل من الذنوب إن حصل، يكون بهذا الشرط، وهذا له وجه.

((اغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أسرفت)) وما أسررت يعني ما عملته خفية، وما أعلنت يعني ما أظهرته وعملته علناً، وما أسرفت يعني ما زدت فيه على القدر المطلوب شرعاً.

((وما أنت أعلم به مني)) لأن الإنسان قد يعمل السيئة والخطيئة ويعرف أنه عملها، فيستغفر منها، وقد يقع في معاصي لا يشعر بها، ولا يعلمها، وقد يظنها حسنات، فهذا مما الله -جل وعلا- أعلم به من العبد ((وما أنت أعلم به مني)) قد يشرك الإنسان شركاً يعرفه، وشرك يخفى عليه، وكفارة ذلك أن يقول: ((اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم)).