"كان يقول بين السجدتين: ((اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني)) "((اللهم)) أصلها يا الله، يا الله حذف حرف النداء، وعوض عنه بالميم المشددة، يا الله اغفر لي، هذا دعاء بالمغفرة، وهي الستر، ستر الذنب ومحو أثره.
((وارحمني)) أيضاً دعاء بالرحمة، وإذا غفر للإنسان غفر له ما ارتكبه من آثام، وطلب الرحمة ليفوز بدخول الجنان؛ لأن الجنة لا تدرك بالعمل ((لن يدخل أحدكم عمله الجنة)) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال:((ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته)) فالمغفرة تمحو أثر الذنب المقتضي للعقاب، ودخول الجنة إنما هو برحمة أرحم الراحمين، والحصول على منازلها ودرجاتها إنما هو بالأعمال، يعني إذا دخلها برحمة الله استفاد من أعماله التفاوت في الدرجات.
((واهدني)) والهداية كما هو معلوم تنقسم إلى هداية الدلالة والإرشاد، وهداية التوفيق والقبول، والدلالة والإرشاد هي لأنبياء الله، ومن يقوم مقامهم من الدعاة إلى الحق، يهدون الناس ويدلونهم {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [(٥٢) سورة الشورى] وأما هداية التوفيق والقبول فليست إلا لله -جل وعلا- {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [(٥٦) سورة القصص].
((وعافني)) نعم سؤال العافية جاء فيه نصوص كثيرة، والمراد بالعافية معافاة الدين، ومعافاة البدن، فالعافية في الدين أن يحفظك الله -جل وعلا- من المخالفات الكبيرة والصغيرة، العقدية والعملية، ومعافاة البدن بأن يحفظ بدنك وقلبك من الانحراف عن التوسط؛ لأن الصحة المراد بها الاعتدال، وهي بين انحرافين ارتفاع وانخفاض، والأمراض الحسية معلومة، الأمراض الحسية انحرافها عن الاعتدال بالارتفاع والانخفاض، خذ مثلاً الضغط إن ارتفع مشكل، وإن انخفض مشكل، والعافية في الاعتدال، خذ السكري مثلاً إن انخفض مشكل، وإن ارتفع مشكل، والعافية في الاعتدال وهكذا.
وكذلك سلامة القلب من الشهوات والشبهات، إنما هي في الاعتدال لا في الإفراط ولا في التفريط، فتسأل الله -جل وعلا- أن يعافيك في دينك، في علمك، في بدنك، في جميع قواك، في مالك، وإن كان بعضها يمكن إدخالها مع بعض، لكن التنصيص على بعض الأمور إنما هو للاهتمام به.