فَإِن قيل فقد علمُوا أَنه مظلوم وَقد أشرف على الْهَلَاك فَكَانَ يَنْبَغِي عَلَيْهِم أَن يقاتلوا عَنهُ ينصروه وَإِن كَانَ قد مَنعهم قيل أَن الْقَوْم كَانُوا أهل طَاعَة لإمامهم وَقد وفقهم الله تَعَالَى للصَّوَاب من القَوْل وَالْعَمَل وَقد فعلوا مَا يجب عَلَيْهِم بقلوبهم وألسنتهم وعرضهم لنصرته على حِسَاب طاقتهم فَلَمَّا مَنعهم من نصرته علمُوا أَن الْوَاجِب عَلَيْهِم السّمع وَالطَّاعَة لَهُ وَلَا يسعهم مُخَالفَته وَكَانَ الْحق عِنْدهم فِيمَا رَآهُ عُثْمَان رض =
فَإِن قيل فَلم مَنعهم عَن نصرته وَهُوَ مظلوم وَقد علم أَن قِتَالهمْ عَنهُ نهى عَن الْمُنكر وَإِقَامَة حق يقمونه فَالْجَوَاب أَن مَنعه أياهم يحْتَمل وُجُوهًا كلهَا محمودة أَحدهَا علمه بِأَنَّهُ مقتول مَظْلُوما لَا شكّ فِيهِ لِأَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قد أعلمهُ أَنه يقتل مَظْلُوما وَأمره بِالصبرِ فَقَالَ أَصْبِر فَلَمَّا أحاطو بِهِ تحقق أَنه مقتول وَأَن الَّذِي قَالَه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ حق لَا بُد أَن يكون ثمَّ علم أَنه قد وعد من نَفسه الصَّبْر فَصَبر كَمَا وعد وَكَانَ عِنْده أَن من طلب الأنتصار لنَفسِهِ والذب عَنْهَا فَلَيْسَ هَذَا بصابر إِذْ وعده من نَفسه الصَّبْر
الْوَجْه الثَّانِي أَنه كَانَ قد علم أَن فِي الصحابه قلَّة عدد وَأَن الَّذين يُرِيدُونَ قَتله كثير عَددهمْ فَلَو أذن لَهُم بِالْقِتَالِ لم يَأْمَن أَن يتْلف من أَصْحَابه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسَبَبِهِ كثير فوقاهم بِنَفسِهِ إشفاقا مِنْهُ عَلَيْهِم لِأَنَّهُ رَاع عَلَيْهِم والراعي يجب عَلَيْهِ أَن يحفظ رَعيته بِكُل مَا أمكنه وَمَعَ ذَلِك فقد علم مقتول فصانهم بِنَفسِهِ