للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالتَّشَبُّهِ عَلَى أَمْرِ الْآخِرَةِ، وَلِيُشْعِرَنَا أَنَّ ثَوَابَهُ لَا يُنَالُ إلَّا بِالسَّعْيِ وَالتَّزْهِيدِ فِي الدُّنْيَا، وَالتَّرْغِيبِ فِي الْجَنَّةِ، الَّتِي لَا تَعَبَ فِيهَا وَلَا نَصَبَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْمَصَالِحِ الَّتِي لَا يُحِيطُ عِلْمُنَا بِهَا، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْمُبَاحَاتِ الَّتِي قَدْ عَلِمْنَا تَعَلُّقَهَا بِالْمَصَالِحِ كَتَعَلُّقِ الْمَحْظُورَاتِ، وَالْوَاجِبَاتِ، مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ النَّسْخُ، وَالتَّبْدِيلُ، ثُمَّ كَانَ ذَلِكَ مَوْكُولًا إلَى اجْتِهَادِنَا، وَغَالِبِ ظُنُونِنَا، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، إذْ كَانَ أَكْبَرُ الْمَصَالِحِ، مَا كَانَ فِي أَمْرِ الدِّينِ، فَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي سَائِرِ حَوَادِثِ أَمْرِ الدِّينِ، مِمَّا لَمْ يَنُصَّ لَنَا فِيهِ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، وَلَمْ تَتَّفِقْ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ.

وَأَيْضًا: فَقَدْ وَافَقَنَا خُصُومُنَا مِنْ نُفَاةِ الْقِيَاسِ عَلَى وُجُوبِ اسْتِعْمَالِ الرَّأْيِ، وَالِاجْتِهَادِ، وَالْعَمَلِ بِمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ غَالِبُ الظَّنِّ، فِي تَدْبِيرِ الْحُرُوبِ وَمَكَائِدِ الْعَدُوِّ، وَمَا يُقَاتِلُونَ بِهِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ فِي غَالِبِ ظُنُونِنَا، أَنَّهُ إلَى قُوَّةِ أَمْرِ الْإِسْلَامِ وَعُلُوِّ أَمْرِهِ، وَوَهَنِ الْكُفْرِ، وَسُقُوطِهِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي أُمُورِ الدِّينِ. فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي بَعْضِهِ، كَانَ الْجَمِيعُ بِمَثَابَتِهِ. كَمَا أَنَّهُ لَمَّا جَازَ مَا وَصَفْنَا فِي بَعْضِ أُمُورِ الْحَرْبِ، وَمَكَائِدِ الْعَدُوِّ، كَانَ جَمِيعُهُ بِمَنْزِلَةِ بَعْضِهِ.

وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الِاجْتِهَادِ فِيمَا ذَكَرْنَا، اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَصَدَ رَجُلًا بِسَيْفٍ مَشْهُورٍ. أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ، اسْتِعْمَالُ الِاجْتِهَادِ فِي أَمْرِهِ. فَإِنْ غَلَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>