[بَابٌ فِي ذِكْرِ وُجُوهِ الْقِيَاسِ]
ِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَكُونُ الْقِيَاسُ إلَّا بِرَدِّ فَرْعٍ إلَى أَصْلٍ، بِمَعْنًى يَجْمَعُهُمَا، وَيُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ حُكْمِهِمَا وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الْقِيَاسُ عَلَى عِلَّةٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: ٧] ، وَكَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّهَا دَمُ عِرْقٍ» وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَالْآخَرُ: الْقِيَاسُ بِعِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ، مَدْلُولٍ عَلَيْهَا، كَعِلَّةِ الرِّبَا، وَنَحْوِهَا، وَسَنُبَيِّنُ فِيمَا بَعْدُ كَيْفِيَّةَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَجْعَلُ كُلَّ مَعْنًى - جَمَعَ حُكْمَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَغَيْرَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ - قِيَاسًا، سَوَاءٌ كَانَ الْجَمِيعُ بِنَظَرٍ، أَوْ اسْتِدْلَالٍ، أَوْ كَانَ مَعْقُولًا مِنْ فَحْوَى النَّصِّ. فَيَجْعَلُ مَنْعَ ضَرْبِ الْأَبَوَيْنِ وَشَتْمِهِمَا قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] وَيَجْعَلُ مَنْعَ جَوَازِ الْعَمْيَاءِ فِي الْأُضْحِيَّةِ قِيَاسًا عَلَى الْعَوْرَاءِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا. وَيَجْعَلُ حُكْمَ الزَّيْتِ حُكْمَ السَّمْنِ فِي مَوْتِ الْفَأْرَةِ فِيهِ، قِيَاسًا عَلَى مَا وَرَدَ مِنْ الْأَثَرِ فِي السَّمْنِ. وَيَجْعَلُ رَجْمَ غَيْرِ مَاعِزٍ قِيَاسًا عَلَى مَاعِزٍ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، مِمَّا عُقِلَ بِوُرُودِ اللَّفْظِ حُكْمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا فِي النَّصِّ بِعَيْنِهِ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِيهِ وَجَبَ فِيهِ لِلْمَعْنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute