للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَلْدُ الْمِائَةِ هُوَ جَمِيعُ الْحَدِّ وَهُوَ بَعْضُهُ، فَأَمَّا أَنْ يَرِدَا مَعًا فَهَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَلَا يَكُونُ زِيَادَةً، كَمَا لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا سَنَةً وَيَكُونُ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرُ دَاخِلَةً فِيهَا وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَقُولَ: الْعِدَّةُ سَنَةٌ وَالْعِدَّةُ أَرْبَعَةٌ وَعَشْرٌ، وَكَمَا لَا يَمْتَنِعُ أَنْ نَقُولَ: صَلُّوا إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَإِلَى الْكَعْبَةِ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ نَقُولَ صَلُّوا إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَصَلُّوا إلَى الْكَعْبَةِ فِي خِطَابٍ وَاحِدٍ.

وَمَتَى اسْتَقَرَّ أَحَدُهُمَا ثُمَّ وَرَدَ الْآخَرُ كَانَ نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ، فَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ (هَاهُنَا) فِي النَّصِّ (هِيَ) عَلَى هَذَا الْمَعْنَى. وَأَيْضًا فَإِنَّا نَقُولُ فِي الزِّيَادَةِ (كَمَا يَقُولُ مُخَالِفُنَا مَعَنَا فِي النُّقْصَانِ: فَلَمَّا كَانَ النُّقْصَانُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْفَرْضِيِّ نَسْخًا كَذَلِكَ الزِّيَادَةُ) وَذَلِكَ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: الْعِدَّةُ سَنَةٌ، ثُمَّ يَقُولُ: الْعِدَّةُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ كَانَ ذَلِكَ نَسْخًا، وَلَوْ جَمَعَهُمَا فِي خِطَابٍ وَاحِدٍ بِأَنْ قَالَ: الْعِدَّةُ سَنَةٌ إلَّا (كَذَا وَكَذَا وَشَهْرًا) لَمْ يَكُنْ نَسْخًا، كَذَلِكَ الزِّيَادَةُ إذَا وَرَدَتْ مَعَ النَّصِّ فِي خِطَابٍ وَاحِدٍ فَلَيْسَ بِنَسْخٍ وَإِذَا وَرَدَتْ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ حُكْمِ النَّصِّ كَانَ نَسْخًا، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إنَّمَا هُوَ كَلَامٌ فِي الزِّيَادَةِ إذَا وَرَدَتْ بَعْدَ النَّصِّ، فَأَمَّا إذَا أُورِدَ النَّصُّ مُنْفَرِدًا عَنْ ذِكْرِ الزِّيَادَةِ (وَوَرَدَتْ الزِّيَادَةُ) وَلَا يُعْلَمُ تَارِيخُهُمَا فَإِنَّ هَذَا لَهُ شَرِيطَةٌ أُخْرَى غَيْرُ مَا كُنَّا فِيهِ، وَسَنَذْكُرُهَا أَيْضًا فِيمَا بَعْدُ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْهَا فِيمَا سَلَفَ مِنْ هَذَا الْبَابِ.

[الْوُجُوهَ الَّتِي تُوصِلُ إلَى الْعِلْمِ بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ]

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ بَيَّنَّا كَيْفِيَّةَ وُجُودِ النَّسْخِ. وَنُبَيِّنُ الْآنَ الْوُجُوهَ الَّتِي تُوصِلُ إلَى الْعِلْمِ بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مِنْ الْجِهَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّ النَّسْخَ يَقَعُ بِهَا. فَنَقُولُ: إنَّ مَا يُعْلَمُ بِهِ النَّسْخُ عَلَى وُجُوهٍ، مِنْهَا أَنْ يَرِدَ لَفْظٌ يَشْتَمِلُ عَلَى ذِكْرِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مَعًا مَعَ ذِكْرِ تَارِيخِهِمَا فَلَا يُشْكِلُ عَلَى سَامِعِهِمَا أَنَّ الثَّانِيَ مِنْهُمَا فِي التَّارِيخِ نَاسِخٌ (لِلْأَوَّلِ) نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤]

<<  <  ج: ص:  >  >>