[بَابٌ فِيمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ فِي الْقِيَاس]
بَابٌ فِيمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَيَّنَّا فِيمَا سَلَفَ أَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ سَبِيلُهَا أَنْ تَكُونَ بَعْضَ أَوْصَافِ الْأَصْلِ الْمَعْلُولِ وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تَكُونَ جَمِيعَ أَوْصَافِهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ جَمِيعَ أَوْصَافِهِ كَانَتْ هِيَ الْمَسْأَلَةَ بِعَيْنِهَا، وَكَأَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا مَعْلُولًا مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْقِيَاسِ، وَاقْتِضَابِ الْعِلَلِ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا احْتَجْنَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْقِيَاسِ إلَى طَلَبِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الْحُكْمِ، وَتَبَيُّنِ مِمَّا لَيْسَ بِعِلَّةٍ لَهُ؛ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِهِ عَلَى حِيَالِهِ عِلَّةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْتَقِضُ.
أَلَا تَرَى أَنَّ مِنْ أَوْصَافِ الْبُرِّ أَنَّهُ مَكِيلٌ، وَأَنَّهُ مِمَّا تُخْرِجُ الْأَرْضُ وَأَنَّهُ مَأْكُولٌ، وَأَنَّهُ مُقْتَاتٌ مُدَّخَرٌ، وَأَنَّهُ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ، وَأَنَّهُ حَبٌّ وَأَنَّهُ شَيْءٌ وَأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ جِسْمٌ.
وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَصْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ عِلَّةً لِلْحُكْمِ عَلَى حِيَالِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَجْعَلَ عِلَّةَ الْحُكْمِ أَيَّ وَصْفٍ شَاءَ الْقَائِسُ جَعْلَهُ عِلَّةً. هَذَا مُمْتَنِعٌ غَيْرُ جَائِزٍ، فَوَاجِبٌ إذَنْ أَنْ تَكُونَ عِلَّةُ الْحُكْمِ بَعْضَ أَوْصَافِهِ، إمَّا وَصْفٌ وَاحِدٌ، أَوْ وَصْفَانِ، أَوْ ثَلَاثَةٌ، أَوْ نَحْوُهَا، بَعْدَ أَنْ لَا يَسْتَغْرِقَ جَمِيعَ أَوْصَافِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute