للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابٌ الْكَلَامُ فِي قَوْلِ أَخْبَارِ الْآحَادِ فِي أُمُورِ الدِّيَانَات]

بَابٌ

الْكَلَامُ فِي قَوْلِ أَخْبَارِ الْآحَادِ فِي أُمُورِ الدِّيَانَاتِ

قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نَتَكَلَّمُ بِعَوْنِ اللَّهِ فِي تَثْبِيتِ وُجُوبِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ الَّتِي لَا تُوجِبُ الْعِلْمَ فِي الْأُمُورِ الْخَاصَّةِ، وَاحِدًا كَانَ الْمُخْبِرُ، أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ نُتْبِعُهُ بِالْكَلَامِ عَلَى مَنْ أَبَى إلَّا قَبُولَ خَبَرِ الِاثْنَيْنِ، ثُمَّ نَتَكَلَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي فُرُوعِ أَخْبَارِ الْآحَادِ وَشُرُوطِهَا، بِمَا يُسَهِّلُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْقَوْلِ فِيهَا.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَرِضْوَانِهِ: قَدْ احْتَجَّ عِيسَى بْنُ أَبَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِذَلِكَ بِحُجَجٍ كَافِيَةٍ مُغْنِيَةٍ، وَأَنَا ذَاكِرٌ جُمْلَةً، وَنَتْبَعُهَا بِمَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

فَمَا احْتَجَّ بِهِ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: ١٨٧] وقَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ} [البقرة: ١٥٩] .

فَنَقُولُ: إنَّ دَلَالَةَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ ظَاهِرَةٌ فِي لُزُومِ قَبُولِ الْخَبَرِ الْمُقَصِّرِ عَنْ الْمَنْزِلَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْعِلْمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالْبَيَانِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ الْكِتْمَانِ، فَثَبَتَ وُقُوعُ الْبَيَانِ مِنْهُمْ لِلنَّاسِ إذَا أَخْبَرُوا، فَدَلَّ وُجُوبُ الْعِلْمِ بِهِ، لِوُقُوعِ بَيَانِ أَحْكَامِ اللَّهِ بِخَبَرِهِمْ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا أَنْكَرْت أَنْ يَكُونُوا أُمِرُوا بِالْبَيَانِ لِيَتَوَاتَرَ الْخَبَرُ وَيَنْتَشِرَ فَيُوجِبَ الْعِلْمَ.

قِيلَ لَهُ: لَمَّا ذَمَّهُمْ عَلَى الْكِتْمَانِ وَأَمَرَهُمْ بِالْبَيَانِ، دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ تَنَاوَلَ مَنْ لَا يَتَوَاتَرُ بِهِ الْخَبَرُ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ وُقُوعَ الْبَيَانِ بِخَبَرِهِمْ، لِأَنَّ مَنْ جَازَ عَلَيْهِمْ الْكِتْمَانُ فِي خَبَرِهِمْ جَازَ وُقُوعُ التَّوَاطُؤِ (فَلَا يُوجِبُ خَبَرُهُمْ الْعِلْمَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>