للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابُ ذِكْرِ الْأُصُولِ الَّتِي يُقَاسُ عَلَيْهَا]

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كُلُّ حُكْمٍ ثَبَتَ وَصَحَّ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي ثَبَتَتْ بِهَا الْأَحْكَامُ، فَجَائِزٌ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ، إذَا قَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى وُجُودِ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَا فِيهِ الْمَعْنَى أَصْلًا ثَابِتًا بِتَوْقِيفٍ وَاتِّفَاقٍ، أَوْ بِدَلَالَةِ غَيْرِهِمَا، فَالْقِيَاسُ وَاجِبٌ عَلَى نَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَعَلَى إجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَعَلَى مَا ثَبَتَ مِنْ طَرِيقِ الْآحَادِ، بَعْدَ أَنْ لَا مُخَصِّصَ لِلْقِيَاسِ مُوجِبًا لِلْحُكْمِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ بَيَانِهِ.

يَجُوزُ الْقِيَاسُ أَيْضًا عَلَى حُكْمٍ قَدْ ثَبَتَ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ. وَذَلِكَ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: لَمَّا ثَبَتَ عِنْدَنَا جَوَازُ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ بِالدَّلَالَةِ الْمُوجِبَةِ لَهُ، كَانَ النِّكَاحُ بِمَثَابَتِهِ فِي جَوَازِ وُقُوفِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ لَهُ مُجِيزٌ. فَمِنْ حَيْثُ وَقَفَ أَحَدُهُمَا إذَا عَقَدَ بِغَيْرِ أَمْرِ مَالِكِهِ كَانَ كَذَلِكَ حُكْمُ الْآخَرِ. لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا، كَمَا نَقُولُ فِي إفْسَادِ صَلَاةِ الرَّجُلِ مُحَاذَاةَ الْمَرْأَةِ إذَا اشْتَرَكَا فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، قِيَاسًا عَلَى إفْسَادِهَا إذَا قَامَ قُدَّامَ الْإِمَامِ. وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَنَا أَنَّ قِيَامَهُ قُدَّامَ الْإِمَامِ يُفْسِدُهَا، وَإِنْ خَالَفَنَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِيهِ، فَجَائِزٌ لَنَا أَنْ نَبْنِيَ هَذَا الْفَرْعَ عَلَى مَا قَدْ ثَبَتَ عِنْدَنَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، مَعَ وُجُودِ الْخِلَافِ فِيهِ.

وَتَكُونُ الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ قَامَ مَقَامًا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُومَهُ بِحَالٍ، مَعَ اخْتِصَاصِهِ بِالنَّهْيِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَكَمَا نَبْنِي تَحْرِيمَ النَّسَاءِ بِوُجُودِ الْكَيْلِ، أَوْ الْجِنْسِ عَلَى أَصْلِنَا فِي اعْتِبَارِهِمَا فِي تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>