للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِمَّا قَسَمْنَا عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْآحَادِ]

ِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إذَا رَوَاهُ الْعَدْلُ الثِّقَةُ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ مِنْ السَّلَفِ النَّكِيرُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَاتِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ - قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة: ١٥٩] وقَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: ١٨٧] فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَاتُ: عَلَى أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ نَصٌّ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ فَأَظْهَرَهُ، فَقَالَ: هَذَا نَصُّ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، لَزِمَ قَبُولُ قَوْلِهِ، إذَا كَانَ عَدْلًا ضَابِطًا، لِأَنَّ الدَّلَالَةَ قَدْ قَامَتْ: عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْعَدْلِ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ رَدُّهُ بِالْقِيَاسِ، مَعَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّانَا بِقَبُولِهِ وَالْحُكْمِ بِهِ، مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ قِيَاسٍ مَعَهُ.

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا: أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَدْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ الْقَوْلَ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ، ثُمَّ يَتْرُكُونَهُ إلَى خَبَرٍ وَاحِدٍ يَرْوِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَقَبُولِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَبَرَ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ، وَتَرْكِ رَأْيِهِ لَهُ، لِأَنَّهُ قَالَ: " كِدْنَا أَنْ نَقْضِيَ فِي مِثْلِهِ بِرَأْيِنَا، وَفِيهِ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فَإِنَّ بَعْضَ الْأَلْفَاظِ: لَوْلَا مَنْ رَوَاهُ لَكَانَ رَأْيُنَا فِيهِ غَيْرَ ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «كُنَّا لَا نَرَى فِي الْمُخَابَرَةِ بَأْسًا، حَتَّى أَخْبَرَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهَا» ، فَتَرَكْنَاهَا " وَأَخْبَارٌ أُخْرَى كَثِيرَةٌ كَانُوا يَتْرُكُونَ الْقِيَاسَ لَهَا، وَكَانَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>