للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ وُجِدَ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَاسْتَحَالَ ثُبُوتُ مَا يُضَادُّهُ مِنْ الْحُكْمِ فِي حَالِ ثُبُوتِهِ ثَبَتَ هُوَ وَانْتَفَى مَا يُضَادُّهُ، وَكَانَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ الْآخَرَ مَنْسُوخٌ بِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: إذَا اخْتَلَفُوا سَاغَ الِاجْتِهَادُ وَاسْتُعْمِلَ أَشْبَهُهُمَا بِالْأُصُولِ، فَإِنَّ مُرَادَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ، إذَا لَمْ يَعْلَمْ تَارِيخَهُمَا، فَإِذَا كَانَ هَكَذَا وَجَبَ الِاسْتِدْلَال بِالْأُصُولِ عَلَى النَّاسِخِ مِنْهُمَا وَجِهَاتُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى النَّاسِخِ مِنْهُمَا مُخْتَلِفَةٌ، وَأَنَا ذَاكِرٌ مِنْهَا طَرَفًا نَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى جُمْلَةِ الْقَوْلِ فِيهِ.

[الدَّلِيلَ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْحُكْمِ النَّاسِخِ]

فَنَقُولُ قَبْلَ أَنْ نَشْرَعَ فِي ذِكْرِ جِهَاتِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْحُكْمِ النَّاسِخِ: إنَّ الدَّلِيلَ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْحُكْمِ النَّاسِخِ مِنْهُمَا (عَلَى) أَنَّ اخْتِلَافَ النَّاسِخِ فِي حُكْمِ الْخَبَرَيْنِ الْمُتَضَادَّيْنِ اللَّذَيْنِ لَا يَحْتَمِلَانِ غَيْرَ النَّسْخِ يُجْعَلُ الْحُكْمُ الَّذِي تَضَمَّنَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَعْنَى سَائِرِ أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ الَّتِي (قَدْ) اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا عَلَى وُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ، ثُمَّ كَانَ طَرِيقُ اسْتِدْرَاكِ حُكْمِهَا بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِالْأُصُولِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَرِيقُ إثْبَاتِ (حُكْمِ) أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ اعْتِبَارَ شَوَاهِدِ الْأُصُولِ، فَيَكُونُ الْخَبَرُ الَّذِي تُعَضِّدُهُ الْأُصُولُ مِنْهَا أَوْلَى بِالْإِثْبَاتِ، كَحُكْمِ الْحَادِثَةِ إذَا عَاضَدَتْهُ دَلَائِلُ الْأُصُولِ فَيَكُونُ أَوْلَى بِالْإِثْبَاتِ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْخَبَرَيْنِ إذَا تَضَادَّتْ أَحْكَامُهُمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَإِنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِهِمَا أَنْ يَسْقُطَا كَأَنَّهُمَا لَمْ يَرِدَا فَيُجْعَلُ الْحُكْمُ مَوْقُوفًا عَلَى شَوَاهِدِ الْأُصُولِ فَمَا دَلَّتْ الْأُصُولُ عَلَى ثَبَاتِهِ مِنْ الْحُكْمَيْنِ فَهُوَ الثَّابِتُ دُونَ الْآخَرِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ حُكْمًا (يُوجِبُهُ الْأَثَرُ) وَدَلَائِلُ الْأُصُولِ أَوْلَى بِالْإِثْبَاتِ مِنْ حُكْمٍ يَنْفَرِدُ بِإِيجَابِهِ الْأَثَرُ دُونَ (دَلَائِلِ) الْأُصُولِ. فَدَلَّ جَمِيعُ مَا وَصَفْنَا عَلَى وُجُوبِ اعْتِبَارِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْأُصُولِ عَلَى النَّاسِخِ مِنْ الْخَبَرَيْنِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ إنْ عَلِمَ تَارِيخَهُمَا فَالْآخَرُ أَوْلَى إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ الْمُوَافَقَةَ، فَمِنْ قِبَلِ أَنَّ الْآخَرَ ثَابِتُ الْحُكْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>