للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابٌ ذِكْرُ وُجُوهِ الْأَخْبَارِ وَمَرَاتِبِهَا وَأَحْكَامِهَا] [الْأَخْبَارَ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُتَوَاتِرٌ وَغَيْرُ مُتَوَاتِرٍ]

قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو مُوسَى عِيسَى بْنُ أَبَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، جُمْلَةً فِي تَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ وَأَحْكَامِهَا فِي كِتَابِهِ فِي الرَّدِّ عَلَى بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ فِي الْأَخْبَارِ، وَأَنَا أَذْكُرُ مَعَانِيَهَا مُخْتَصَرَةً دُونَ سِيَاقَةِ أَلْفَاظِهَا، فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا فِي مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ، فَكَرِهْت الْإِطَالَةَ بِذِكْرِهَا عَلَى نَسَقِهَا، وَاقْتَصَرْت مِنْهَا عَلَى مَوْضِعِ الْحَاجَةِ فِي مَعْرِفَةِ مَذْهَبِهِ فِيهَا.

ذَكَرَ: أَنَّ الْأَخْبَارَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

قِسْمٌ فِيهَا: يُحِيطُ الْعِلْمُ بِصِحَّتِهِ وَحَقِيقَةِ مُخْبِرِهِ.

وَقِسْمٌ مِنْهَا: يُحِيطُ الْعِلْمُ بِكَذِبِ قَائِلِهِ وَالْمُخْبَرِ بِهِ.

وَقِسْمٌ: يَجُوزُ فِيهِ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ.

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فَمَا وَقَعَ الْعِلْمُ بِمُخْبِرِهِ لِوُرُودِهِ مِنْ جِهَةِ التَّوَاتُرِ، وَامْتِنَاعِ جَوَازِ التَّوَاطُؤِ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى مُخْبِرِهِ، كَعِلْمِنَا بِأَنَّ فِي الدُّنْيَا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَخُرَاسَانَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَعَا النَّاسَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَجَاءَ بِالْقُرْآنِ، وَذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ، وَأَمْرُهُ إيَّانَا: بِالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

قَالَ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْعِلْمُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عِلْمُ اضْطِرَارٍ وَإِلْزَامٍ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الشَّرَائِعِ، رَدًّا عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كَأَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ ذَلِكَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ بِذَلِكَ كَافِرًا، خَارِجًا عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْعِلْمَ كَانَ عِلْمٌ ضَرُورِيٌّ، كَالْعِلْمِ بِالْمَحْسُوسَاتِ وَالْمُشَاهَدَاتِ، وَكَالْعِلْمِ بِأَنَّهُ قَدْ كَانَ قَبْلَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا قَوْمٌ، وَأَنَّ الْمَوْجُودِينَ أَوْلَادُ أُولَئِكَ، وَكَالْعِلْمِ بِأَنَّ السَّمَاءَ كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ وِلَادَتِنَا، وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ.

وَذَكَرَ: أَنَّهُ لَيْسَ لِمَا يُوجِبُ الْعِلْمَ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ حَدٌّ مَعْلُومٌ، وَلَا عِدَّةٌ مَحْصُورَةٌ. وَقَالَ أَيْضًا: إنَّ الْعَشَرَةَ وَالْعِشْرِينَ قَدْ لَا يَتَوَاتَرُ بِهِمْ الْخَبَرُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>