للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ إذَا وَرَدَ خَبَرَانِ فِي أَحَدِهِمَا إيجَابُ شَيْءٍ وَفِي الْآخَرِ حَظْرٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا نَاسِخًا لِلْآخَرِ]

فَصْلٌ مِنْ هَذَا (الْبَابِ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا إذَا وَرَدَ خَبَرَانِ فِي أَحَدِهِمَا إيجَابُ شَيْءٍ وَفِي الْآخَرِ حَظْرٌ، وَهُمَا مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا نَاسِخًا لِلْآخَرِ عَلَى حَسَبِ مَا قَدَّمْنَا، فَإِنَّ مَا وَرَدَ فِيهِ ذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَبَرِ الْمُبَاحِ قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ أَوْ مِنْ خَبَرِ الْمَحْظُورِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ مِنْ خَبَرِ الْمَحْظُورِ الَّذِي يَجُوزُ اسْتِبَاحَتُهُ عَلَى حَسَبِ مَجِيءِ السَّمْعِ بِهَا، فَقَدْ عَلِمْنَا يَقِينًا وُرُودَ الْإِيجَابِ عَلَى الْحَظْرِ وَإِزَالَتَهُ لِحُكْمِهِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ الْحَظْرِ وَارِدًا عَلَى جِهَةِ التَّأْكِيدِ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ حَالُهُ قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ، فَالْحُكْمُ فِي مِثْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِيجَابَ لِلْعِلَّةِ الَّتِي وَصَفْنَا.

وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِي الْأَصْلِ قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ مِنْ خَبَرِ الْمُبَاحِ، فَلَيْسَ وُرُودُ الْحَظْرِ بِأَنْ يَكُونَ طَارِئًا عَلَى إبَاحَةِ الْأَصْلِ، بِأَوْلَى مِنْ وُرُودِ خَبَرِ الْإِيجَابِ عَلَيْهَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَنَا تَارِيخٌ، فَلَيْسَ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ بِأَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْ الْآخَرِ، فَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ طَلَبُ الدَّلِيلِ (عَلَى الثَّابِتِ) مِنْ حُكْمِ الْخَبَرَيْنِ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْأُصُولِ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأُصُولِ مَا يَشْهَدُ لِثُبُوتِ حُكْمِ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْوَاجِبَ فِي مِثْلِهِ أَنْ يَتَعَارَضَا، وَأَنْ يَسْقُطَا وَيَصِيرَا كَأَنَّهُمَا لَمْ يَرِدَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْوَاجِبَ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْفِعْلِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لَنَا الْإِقْدَامُ عَلَى فِعْلِهِ عَلَى أَنَّهُ طَاعَةٌ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عِنْدَنَا. وَغَيْرُ جَائِزٍ أَيْضًا فَعَلَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ، لِأَنَّ الْمُخْبِرَيْنِ قَدْ أَخْرَجَاهُ مِنْ حَيِّزِ الْإِبَاحَةِ وَأَلْحَقَاهُ بِحُكْمِ الْحَظْرِ أَوْ الْإِيجَابِ، وَالِاحْتِيَاطِ فِي مِثْلِهِ الْكَفُّ عَنْ الْإِقْدَامِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُبَاحٍ فَيَفْعَلُ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ، وَلَا يَعْلَمُهُ وَاجِبًا وَلَا مَنْدُوبًا إلَيْهِ فَيَفْعَلُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَالِاحْتِيَاطُ بِهِ إذَنْ لَمْ يَثْبُتْ إيجَابُهُ، وَعَلَى أَنَّا بِحَمْدِ اللَّهِ لَمْ نَجِدْ خَبَرَيْنِ أَحَدَهُمَا يَحْظُرُ وَالْآخَرَ يُوجِبُ، إلَّا وَالدَّلَائِلُ قَائِمَةٌ عَلَى ثُبُوتِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، إمَّا مِنْ جِهَةِ الْعِلْمِ بِتَارِيخِهِمَا، أَوْ قِيَامِ دَلَائِلَ مِنْ الْأُصُولِ عَلَى الثَّابِتِ مِنْهُمَا. وَإِنَّمَا تَكَلَّمْنَا عَلَى حَالِ عَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِهِمَا وَتَسَاوِيهِمَا فِي مُوجِبِ لَفْظِهِمَا، اسْتَوَيَا فِي الْكَلَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ حَسَبَ مَا يَقْتَضِيهِ أَقْسَامُ الِاحْتِمَالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>