للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابٌ فِي ذِكْرِ الْأَوْصَافَ الَّتِي تَكُونُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ]

ِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ تَكُونُ عِلَّةُ الْحُكْمِ وَصْفًا لَازِمًا لِلْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ، كَقَوْلِنَا: إنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ النَّسَاءِ وُجُودُ الْجِنْسِ.

وَقَدْ يَكُونُ وَصْفًا غَيْرَ لَازِمٍ لِلْأَصْلِ، لَكِنَّهُ يَتْبَعُ عَادَةَ النَّاسِ فِي التَّعَامُلِ بِهِ كَقَوْلِنَا: إنَّ كَوْنَهُ مَكِيلًا عِلَّةٌ لِتَحْرِيمِ النَّسَاءِ أَيْضًا، وَكَوْنَهُ مَكِيلًا لَيْسَ هُوَ وَصْفًا لَازِمًا لَهُ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ كَذَلِكَ بِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالتَّعَامُلِ كَيْلًا، وَكَاعْتِلَالِنَا لِإِيجَابِ الْعُشْرِ فِيمَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ مِنْ الْخُضَرِ وَنَحْوِهَا بِعِلَّةِ أَنَّهَا يُقْصَدُ الْأَرَضُونَ بِزِرَاعَتِهَا، قِيَاسًا عَلَى الْحِنْطَةِ، وَكَوْنُهُ مِمَّا يُقْصَدُ بِزِرَاعَتِهِ إنَّمَا هُوَ عَادَةٌ جَارِيَةٌ مِنْ النَّاسِ فِيهَا وَلَيْسَ هُوَ صِفَةً لَازِمَةً لِنَفْسِ الْمَزْرُوعِ.

وَقَدْ تَكُونُ الْعِلَّةُ نَفْسَ الِاسْمِ، كَقَوْلِنَا: إنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ مَرَّةً قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْمَمْسُوحَاتِ مِنْ نَحْوِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَمَسْحِ التَّيَمُّمِ بِعِلَّةِ أَنَّهُ مَسْحٌ، وَقَدْ كَانَ أَبُو الْحَسَنِ يَحْتَجُّ لِلْمُحْرِمَيْنِ إذَا قَتَلَا صَيْدًا: أَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءً كَامِلًا، بِأَنَّ هَذِهِ كَفَّارَةٌ فِيهَا صَوْمٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة: ٩٥] فَسَمَّاهُ كَفَّارَةً، فَاشْتَبَهَتْ كَفَّارَةُ قَتْلِ الْخَطَأِ، لَمَّا كَانَتْ كَفَّارَةً فِيهَا صَوْمٌ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَاتِلِينَ كَفَّارَةٌ كَامِلَةٌ، فَالْقِيَاسُ (صَحِيحٌ بِالِاسْمِ) عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ الِاعْتِلَالُ بِالِاسْمِ إذَا لَمْ يَعْدُ إلَى فَرْعٍ، كَمَا لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>