للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابٌ الْقَوْلُ فِي الْخُرُوجِ عَنْ اخْتِلَافِ السَّلَفِ]

إذَا اخْتَلَفَ أَهْلُ عَصْرٍ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى أَقَاوِيلَ مَعْلُومَةٍ، لَمْ يَكُنْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ: أَنْ يَخْرُجَ عَنْ جَمِيعِ أَقَاوِيلِهِمْ، وَيُبْدِعَ قَوْلًا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَهَذَا مَعْنَى مَا حَكَاهُ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي ذِكْرِ أَقْسَامِ أُصُولِ الْفِقْهِ. فَقَالَ: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا أَشْبَهَهُ يَعْنِي: أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ اخْتِلَافِهِمْ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: ١١٥] وقَوْله تَعَالَى: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إلَيَّ} [لقمان: ١٥] وقَوْله تَعَالَى: {ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: ١٠٤] ، وقَوْله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: ١٤٣] وَهَذِهِ صِفَةُ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ فِي الْخُرُوجِ عَنْ أَقَاوِيلِ الْجَمْعِ، اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمُخَالَفَةُ مَنْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ، لِأَنَّا قَدْ عَلِمْنَا بِدَلَالَةِ صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ: أَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ، فَلَوْ جَازَ إبْدَاعُ قَوْلٍ لَمْ يَقُلْ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، لَمَا أَمِنَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ، وَأَنَّ مَا قَالُوهُ خَطَأٌ، فَيُوجِبُ ذَلِكَ جَوَازَ إجْمَاعِهِمْ عَلَى الْخَطَأِ، وَذَلِكَ مَأْمُونٌ وُقُوعُهُ مِنْهُمْ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا ذَكَرْت (لَا) يَلْزَمُ الْقَائِلِينَ: أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَأَنَّ الْحَقَّ فِي جَمِيعِ أَقَاوِيلِ الْمُخْتَلِفِينَ، لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ مُصِيبِينَ، وَمَنْ يَقُولُ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ أَيْضًا مُصِيبًا، إذَا كَانُوا حِينَ اخْتَلَفُوا فَقَدْ سَوَّغُوا الِاجْتِهَادَ فِي طَلَبِ الْحُكْمِ.

قِيلَ لَهُ: مَا ذَكَرْت مِنْ مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ: لَا يَعْصِمُ الْقَائِلَ مِمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>