[بَابٌ الْقَوْلُ فِي النَّافِي وَهَلْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ]
بَابٌ
الْقَوْلُ فِي النَّافِي وَهَلْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي النَّافِي وَهَلْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ؟ فَقَالَ قَائِلُونَ: لَيْسَ عَلَيْهِ إقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ نَفْيِهِ لِمَا نَفَاهُ مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ، وَلَا فِي السَّمْعِيَّاتِ، وَإِنَّمَا الدَّلِيلُ عَلَى الْمُثْبِتِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: عَلَيْهِ إقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى نَفْيِ مَا نَفَاهُ فِي الْعَقْلِيَّاتِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إقَامَةُ الدَّلَالَةِ عَلَى مَا نَفَاهُ مِنْ السَّمْعِيَّاتِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: عَلَى كُلِّ مَنْ نَفَى شَيْئًا وَأَثْبَتَهُ إقَامَةُ الدَّلَالَةِ عَلَى نَفْيِ مَا نَفَاهُ، وَعَلَى إثْبَاتِ مَا أَثْبَتَهُ، وَذَلِكَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَالسَّمْعِيَّاتِ سَوَاءٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَقُولُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ: أَنَّ كُلَّ مَنْ نَفَى شَيْئًا، فَهُوَ لَا مَحَالَةَ مُثْبِتٌ لِوُجُودِ اعْتِقَادِ (صِحَّةِ ذَلِكَ) . فَاقْتَضَى أَصْلُهُ وُجُوبَ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ مَا أَثْبَتَهُ مِنْ صِحَّةِ اعْتِقَادِهِ فِي إسْقَاطِ الدَّلِيلِ عَلَى النَّافِي - فَهُوَ مِنْ حَيْثُ يَرُومُ إسْقَاطَ الدَّلِيلِ عَلَى النَّافِي، فَقَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ إقَامَةَ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ اعْتِقَادِهِ لِذَلِكَ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ قَائِلَ هَذَا الْقَوْلِ، قَدْ قَضَى لِخَصْمِهِ بِإِسْقَاطِ الدَّلَائِلِ عَنْهُ فِي نَفْيِ قَوْلِهِ، لِأَنَّ خَصْمَهُ نَافٍ لِصِحَّةِ مَقَالَتِهِ، وَلَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ إذًا فِي نَفْيِهِ مَقَالَتَهُ عَلَى أَصْلِهِ، وَلَا دَلَالَةَ أَيْضًا عَلَى الْقَائِلِ: بِأَنَّ النَّفْيَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ عَلَى مَذْهَبِهِ، فَيُوجِبُ هَذَا تَنَاقُضَ الْقَوْلَيْنِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute