للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ مَا خُصَّ بِالْأَثَرِ مِنْ جُمْلَةِ قِيَاسِ الْأُصُولِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ]

فَصْلٌ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ يَحْكِي: أَنَّ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَا خُصَّ بِالْأَثَرِ مِنْ جُمْلَةِ قِيَاسِ الْأُصُولِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْقِيَاسَ الْأَصْلِيَّ الَّذِي وَرَدَ الْأَمْرُ بِتَخْصِيصِهِ أَوْلَى، (إلَّا أَنْ) يَكُونَ الْأَثَرُ مُعَلَّلًا، فَيُقَاسَ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ، أَوْ يَتَّفِقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ، فَيُقَاسَ عَلَيْهِ نَظَائِرُهُ، وَإِنْ خَالَفَ قِيَاسَ الْأُصُولِ، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِمْ فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ: إنَّهُ مَخْصُوصٌ مِنْ جُمْلَةِ قِيَاسِ الْأَصْلِ. وَقَدْ كَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَهُمْ أَنْ لَا تَكُونَ الْقَهْقَهَةُ حَدَثًا فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ فِي الْأُصُولِ: أَنَّ مَا كَانَ حَدَثًا فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ حَدَثٌ فِي غَيْرِهَا، وَقَدْ اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ حَدَثًا فِي غَيْرِهَا، فَكَانَ الْقِيَاسُ أَلَّا تَكُونَ حَدَثًا فِيهَا، إلَّا أَنَّهُمْ تَرَكُوا الْقِيَاسَ فِيهَا، لِلْأَثَرِ الْوَارِدِ فِيهَا، ثُمَّ لَمْ يَقِيسُوا عَلَيْهَا الْقَهْقَهَةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَفِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي خَصَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْقِيَاسِ إنَّمَا وَرَدَ فِي صَلَاةٍ فِيهَا رُكُوعٌ وَسُجُودٌ.

وَمِثْلُهُ: مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فِي جَوَازِ الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ لِلْأَثَرِ الْوَارِدِ فِيهِ. وَلَمْ يَقِسْ عَلَيْهِ سَائِرَ الْأَنْبِذَةِ لِأَنَّ قِيَاسَ الْأُصُولِ يَمْنَعُ جَوَازَ الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ. فَوَرَدَ الْأَثَرُ مُخَصِّصًا لَهُ مِنْ جِهَةِ مُوجَبِ الْقِيَاسِ. فَتَرَكَ الْقِيَاسَ فِيمَا وَرَدَ فِيهَا الْأَثَرُ، وَحَمَلَ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهَا الْأَثَرُ عَلَى الْأَصْلِ. وَمِثْلُهُ: مَا وَرَدَ مِنْ الْأَثَرِ فِي صِحَّةِ الصَّوْمِ مَعَ الْأَكْلِ نَاسِيًا، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُفْسِدَ صَوْمَهُ، وَسَلَّمَ لِلْأَثَرِ مَا وَرَدَ فِيهِ، وَلَمْ يَقِيسُوا عَلَيْهِ الْأَكْلَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا، وَلَا الْكَلَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>