وَالْجِمَاعَ فِيهَا نَاسِيًا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَهُمْ يُوجِبُ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ حُكْمُ النَّاسِي وَالْعَامِدِ وَالْمَعْذُورِ (وَغَيْرِهِ) فِي بَابِ إفْسَادِ هَذِهِ الْقُرَبِ بِوُجُودِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِيهَا. إلَّا أَنَّهُمْ تَرَكُوا الْقِيَاسَ لِلْأَثَرِ، وَحَمَلُوا مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ الْأَثَرُ عَلَى الْقِيَاسِ.
وَنَحْوُهُ قَوْلُهُمْ فِيمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ: إنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ، إلَّا أَنَّهُمْ تَرَكُوا الْقِيَاسَ لِلْأَثَرِ، وَأَجَازُوا لَهُ الْبِنَاءَ بَعْدَ الطَّهَارَةِ.
وَلَمْ يَقِسْ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وُجُوبَ الْحَدَثِ إذَا كَانَ مِنْ فِعْلِ آدَمِيٍّ، نَحْوُ أَنْ يَشُجَّهُ إنْسَانٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَنْصَرِفْ، وَلْيَتَوَضَّأْ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ» فَإِنَّمَا خَصَّ مِنْ جُمْلَةِ الْقِيَاسِ بِالْأَثَرِ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ آدَمِيٍّ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ فِعْلِ آدَمِيٍّ فَلَمْ يَقِسْهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ لَمْ يَرِدْ فِيهِ.
وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ احْتَلَمَ فِي صَلَاتِهِ أَوْ فَكَّرَ فَأَمْنَى: إنَّهُ يَغْتَسِلُ وَلَا يَبْنِي، وَقَالُوا: إنَّ الْقِيَاسَ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ أَنْ يَبْنِيَ. وَاسْتُحْسِنَ أَلَّا يَبْنِيَ بِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي الْأَصْلِ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ مَعَ حَدَثٍ، ثُمَّ سَلَّمُوا جَوَازَ الْبِنَاءِ مَعَ الْحَدَثِ لِلْأَثَرِ، وَتَرَكُوا الْقِيَاسَ فِيهِ فَكَانَتْ الْجَنَابَةُ مَحْمُولَةً عَلَى قِيَاسِ الْأَصْلِ إذْ لَمْ يَرِدْ فِيهَا أَثَرٌ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قِسْت عَلَى الْقَيْءِ وَالرُّعَافِ: الْبَوْلَ، وَالْغَائِطَ، وَسَائِرَ مَا يَخْرُجُ مِنْ النَّجَاسَاتِ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ، إذَا لَمْ يَكُنْ خُرُوجُهَا بِفِعْلِ آدَمِيٍّ. وَقِسْت الْمُجَامِعَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا عَلَى الْآكِلِ نَاسِيًا.
قِيلَ لَهُ: لَمْ نُوجِبْ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْته قِيَاسًا، وَإِنْ سَوَّيْنَا بَيْنَ الرُّعَافِ وَالْبَوْلِ وَغَيْرِهِ إذَا سَبَقَهُ، لِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ مِنْ الْفُقَهَاءِ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. لِأَنَّ كُلَّ مَنْ اسْتَعْمَلَ الْخَبَرَ سَوَّى بَيْنَ (جَمِيعِ) ذَلِكَ فِي بَابِ جَوَازِ الْبِنَاءِ بَعْدَ تَجْدِيدِ الطَّهَارَةِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ سَوَّى بَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute