للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا: إبْطَالُ الِاجْتِهَادِ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ، وَفِي سَائِرِ مَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَوَكَلَهُ إلَى اجْتِهَادِنَا مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ. وَنَقْلِبُ هَذَا عَلَيْهِ أَيْضًا فِي نَفْيِ الْقِيَاسِ. فَيُقَالُ لَهُ: مَا أَنْكَرْت أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ مُبْطِلَةً لِقَوْلِك بِنَفْيِ الْقِيَاسِ،؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَك دَلِيلٌ يُوجِبُ الْعِلْمَ بِصِحَّتِهِ. فَإِنْ قَالَ: قَدْ عَلِمْت يَقِينًا بُطْلَانَ الْقِيَاسِ. قَالَ لَك الْقَائِسُونَ مِثْلُهُ فِي بُطْلَانِ قَوْلِك، فَيُسَاوُونَك فِي دَعْوَاك، وَيَصِيرُ سُؤَالُك سَاقِطًا. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨] فَإِنَّ الْقِيَاسَ مِمَّا قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ بَيَانِهِ، وَهُوَ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْهُ،؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْإِخْبَارَ عَنْ حُكْمِ كُلِّ حَادِثَةٍ نَصًّا فِي الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ نَصًّا وَدَلِيلًا. فَلَمْ يَكُنْ الْقَوْلُ بِالْقِيَاسِ خَارِجًا عَنْ حُكْمِ الْكِتَابِ. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأعراف: ٣] ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ مِنْ مُوجَبِ مَا أُنْزِلَ إلَيْنَا. وَيَنْقَلِبُ هَذَا أَيْضًا عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِمْ بِنَفْيِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَهُمْ: خَبِّرُونَا عَنْ قَوْلِكُمْ بِنَفْيِ الْقِيَاسِ، أَهُوَ فِي الْكِتَابِ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا. قِيلَ لَهُمْ: فَقَدْ خَالَفْتُمْ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى، وَاتَّبَعْتُمْ غَيْرَ مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ.

فَإِنْ قَالَ: هُوَ فِي الْكِتَابِ مِنْ حَيْثُ قَامَتْ دَلَالَتُهُ فِيهِ. قِيلَ: مِثْلُهُ فِي (نَفْيِ) إثْبَاتِهِ. وَيَصِيرُ الْكَلَامُ بَيْنَنَا حِينَئِذٍ فِي اعْتِبَارِ الدَّلَالَةِ عَلَى نَفْيِهِ، أَوْ إثْبَاتِهِ، فَلَا يَكُونُ لِلْآيَةِ حَظٌّ فِي الِاعْتِرَاضِ بِهَا عَلَى نَفْيِ الْقِيَاسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>