حَيْثُ شَارَكَهُ فِي كَوْنِهِ مَكِيلًا، وَإِنْ خَالَفَهُ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ، وَكَالرَّصَاصِ - هُوَ مَوْزُونٌ - فَحُكْمُهُ حُكْمُ الذَّهَبِ، فِي تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ، وَإِنْ خَالَفَهُ فِي أَوْصَافٍ أُخَرَ، فَمَتَى عُقِلَ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ، وَجُعِلَ عَلَامَةً لَهُ، وَجَبَ اعْتِبَارُهُ حَيْثُ وُجِدَ. أَلَا تَرَى: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا رَجَمَ مَاعِزًا حِينَ زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ، فَكَانَ الْحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِوُجُودِ الْفِعْلِ، إذَا كَانَ الْفَاعِلُ عَلَى وَصْفٍ، كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ جَارِيًا فِي الْفَاعِلِينَ بِمِثْلِ فِعْلِهِ، إذَا كَانُوا مُحْصَنِينَ، فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَمَ فِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ، وَفَرَّقَ (فِيهِ) بَيْنَ الْجَامِدِ وَالْمَائِعِ. عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَعْنَى فِي إيجَابِ التَّنَجُّسِ مُجَاوَرَتُهُ لِلنَّجَاسَةِ، أُجْرِيَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الزَّيْتِ، وَالشَّيْرَجِ، وَسَائِرِ مَا تُجَاوِرُهُ النَّجَاسَاتُ. كَذَلِكَ تُرَدُّ الْفُرُوعُ إلَى الْأُصُولِ، بِالْمَعَانِي الَّتِي بِهَا تَعَلَّقَ الْحُكْمُ، فَيَكُونُ تَابِعًا لِلْمَعْنَى حَيْثُ وُجِدَ، إلَّا أَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَحْكَامُ، مِنْهَا مَا يَكُونُ جَلِيًّا ظَاهِرًا، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ خَفِيًّا غَامِضًا، فَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِالدَّلَائِلِ الَّتِي نَصَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ لَوْ جَازَ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ: مِنْ الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ، دُونَ الْآخَرِ، لَجَازَ أَنْ يَقْتَصِرَ بِجَوَازِ الْقِيَاسِ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْفِقْهِ دُونَ غَيْرِهِ، فَيَجُوزُ فِي الطَّلَاقِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْبُيُوعِ، أَوْ يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الصَّوْمِ، فَلَمَّا بَطَلَ هَذَا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى إذَا تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ فِيمَا وُجِدَ فِيهِ، كَذَلِكَ إذَا قَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي جُعِلَ عَلَمًا لِلْحُكْمِ، لَزِمَ اعْتِبَارُهُ فِي جَمِيعِ مَا وُجِدَ فِيهِ، وَسَقَطَ بِهَذَا سُؤَالُ السَّائِلِ فِي الْخِلَافِ وَالْوِفَاقِ،؛ إذْ لَمْ يُجْعَلْ الْخِلَافُ عِلَّةً لِوُجُوبِ الْمُخَالَفَةِ فِي الْحُكْمِ، وَلَا الْوِفَاقُ عِلَّةً لِوُجُوبِ الِاتِّفَاقِ فِي الْحُكْمِ.
وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِالسَّبَبِ الَّذِي قَدْ جُعِلَ أَمَارَةً لِلْحُكْمِ، وَعَلَمًا لَهُ، وَذَلِكَ يُعْلَمُ بِاسْتِبَارِ أَمْرِهِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى اسْتِخْرَاجِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute