فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَا يَمْتَنِعُ جَوَازُ النَّسْخِ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ مَا يَمْنَعُ الْعَقْلَ فَيَدُلُّ (الْعَقْلُ) عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي هَذِهِ الْحَالِ مِثْلُ مَا كَانَ يَلْزَمُ قَبْلَ ذَلِكَ، كَالسَّمْعِ إذَا وَرَدَ بِمِثْلِهِ. قِيلَ لَهُ: إنَّ هَذَا لَيْسَ بِنَسْخٍ وَلَا فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَوْ وُجِدَ فِي السَّمْعِ لَمْ يَكُنْ نَسْخًا، وَلَوْ كَانَ مِثْلُ هَذَا نَسْخًا لَكَانَتْ الشَّرَائِعُ كُلُّهَا مَنْسُوخَةً لِأَنَّهَا لَا تَلْزَمُ فِي حَالِ الْعَجْزِ وَتَعَذُّرِ النَّقْلِ وَكُلُّ حُكْمٍ كَانَ مُتَعَلِّقًا عِنْدَ وُرُودِهِ عَلَى وَقْتٍ أَوْ شَرْطٍ وَكَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا مِنْ حَالِهِ بِسَمْعٍ أَوْ عَقْلٍ فَإِنْ مَضَى الْوَقْتُ وَعُدِمَ الشَّرْطُ لَا يُوجِبُ كَوْنَهُ مَنْسُوخًا. أَلَا تَرَى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفُرُوضِ مَعْقُودَةٌ بِأَوْقَاتٍ وَشُرُوطٍ مَتَى فَاتَتْ (أَوْقَاتُهَا) أَوْ عُدِمَتْ شَرَائِطُهَا سَقَطَ فِعْلُهَا نَحْوَ الْجُمُعَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ، وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ إنَّ الْجُمُعَةَ قَدْ صَارَتْ مَنْسُوخَةً بِفَوَاتِ الْوَقْتِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا يَصِحُّ إطْلَاقُهُ فِي الْأُمُورِ الْوَارِدَةِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ مِمَّا كَانَ فِي تَقْدِيرِنَا وَتَوَهُّمِنَا بَقَاؤُهُ فَأَمَّا مَا كَانَ مُوَقَّتًا أَوْ مَشْرُوطًا، وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَالِهِ مَعْلُومًا مَعَ وُرُودِ اللَّفْظِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَسْخٍ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: اجْلِدْ الْيَوْمَ (هَذَا) الزَّانِيَ مِائَةً وَلَا تَجْلِدْهُ غَدًا، أَوْ قَالَ: صَلِّ الْيَوْمَ وَلَا تُصَلِّ غَدًا أَنَّ فَوَاتَ الْوَقْتِ قَبْلَ الْفِعْلِ لَا يُوجِبُ نَسْخًا، وَلَوْ قَالَ: اضْرِبْهُ مِائَةً أَوْ صَلِّ ثُمَّ قَالَ: غَدًا لَا تَضْرِبْهُ أَوْ لَا تُصَلِّ، كَانَ ذَلِكَ نَسْخًا لِأَنَّا (قَدْ) كُنَّا نَتَوَهَّمُ وَنُقَدِّرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute