وَإِنْ نَفَرُوا عَنْهُ بَعْدَمَا أَتَى بِسَجْدَتَيْنِ عَلَيْهَا: أَنَّهَا مَاضِيَةٌ، وَإِنْ أَتَى بِأَكْثَرِ أَفْعَالِهَا. كَمَا أَنَّ مُدْرِكَ الْإِمَامِ فِي أَكْثَرِ أَفْعَالِ الرَّكْعَةِ يَصِحُّ لَهُ الِاعْتِدَادُ بِهَا. كَمَا قَالُوا فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا إذَا عَقَدَهَا بِسَجْدَةٍ: إنَّهُ يَعْتَدُّ بِهَا، وَيَبْنِي عَلَيْهَا السَّادِسَةَ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْأَقَلِّ حُكْمٌ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ. فَجَعَلُوا الْحُكْمَ لِأَكْثَرِ أَفْعَالِ الرَّكْعَةِ، اسْتِدْلَالًا بِمُدْرِكِ الْإِمَامِ فِي أَكْثَرِ أَفْعَالِهَا. وَجَعَلُوا الْأَقَلَّ كَالْكُلِّ فِي هَذَا الْحُكْمِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ أَكْثَرَ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ لَا تَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي بَابِ الْجَوَازِ
وَإِنَّمَا اسْتَدَلُّوا بِمَا ذَكَرْنَا عَلَى حُكْمِ الِاعْتِدَادِ بِالرَّكْعَةِ فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ عَلَيْهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَجَعَلُوا أَكْثَرَ الطَّوَافِ قَائِمًا مَقَامَ الْكُلِّ فِي بَابِ الْإِجْزَاءِ، اسْتِدْلَالًا بِقِيَامِ أَكْثَرِ أَرْكَانِ الْحَجِّ مَقَامَ جَمِيعِهَا فِي بَابِ الْإِجْزَاءِ، وَلَمْ يَرُدُّوهُ إلَى أَصْلٍ، وَلَا رَدُّوا الصَّلَاةَ إلَيْهِ فِي هَذَا الْوَجْهِ، لِأَنَّ حُكْمَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ مِنْ بَابِهِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَنَحْوُ قَوْلِنَا: إنَّ الْعِدَّةَ تَمْنَعُ مِنْ الْجَمْعِ مَا يَمْنَعُهُ نَفْسُ النِّكَاحِ، بِدَلَالَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ مَمْنُوعٌ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، ثُمَّ كَانَ حَالُ عِدَّتِهَا فِي بَابِ الْمَنْعِ مِنْ جَمْعِ زَوْجٍ آخَرَ إلَيْهِ، كَحَالِ بَقَاءِ الْعَقْدِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَالُ عِدَّتِهَا فِي بَابِ مَنْعِ الزَّوْجِ تَزْوِيجَ أُخْتِهَا بِمَنْزِلَةِ حَالِ بَقَاءِ عَقْدِهَا.
فَهَذَا وَنَظَائِرُهُ ضُرُوبٌ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالْأُصُولِ عَلَى الْأَحْكَامِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ عِلَّةٍ، وَلَا قِيَاسَ يَكْتَفِي فِيهِ بِذِكْرِ وَجْهِ الدَّلَالَةِ مِنْ الْأَصْلِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَلَى الْحُكْمِ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ الِاجْتِهَادِ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى حُكْمِ الْحَادِثَةِ بِالْأُصُولِ وَقَدْ يُمْكِنُ فِي أَكْثَرِهَا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ بِعِلَّةٍ يُجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَصْلِ، وَيَكُونُ أَقْطَعَ لِلشَّغَبِ. وَالِاكْتِفَاءُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وَجْهِ الدَّلَالَةِ سَائِغٌ، وَإِنْ خَالَفَك فِيهِ مُخَالِفٌ طَالَبَك بِحَمْلِهِ عَلَى مَحْضِ الْقِيَاسِ، كَانَ لَك أَنْ (لَا) تُجِيبَهُ إلَيْهِ، وَتَقُولَ: إنَّ هَذَا عِنْدِي جِهَةٌ مِنْ جِهَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute