للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَظَائِرُهَا) فِي الْأُصُولِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا مِنْهَا (مِثَالًا) يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى نَظَائِرِهِ. فَيُسَمِّي أَصْحَابُنَا هَذَا الضَّرْبَ مِنْ الِاجْتِهَادِ اسْتِحْسَانًا، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْمَعْنَى خِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَلَا يُمْكِنُ أَحَدًا مِنْهُمْ الْقَوْلُ بِخِلَافِهِ

وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي قَسَّمْنَا عَلَيْهِ الْكَلَامَ بَدْءًا مِنْ ضَرْبَيْ الِاسْتِحْسَانِ: فَهُوَ تَرْكُ الْقِيَاسِ إلَى مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فَرْعٌ يَتَجَاذَبُهُ أَصْلَانِ يَأْخُذُ الشَّبَهَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَيَجِبُ إلْحَاقُهُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، لِدَلَالَةٍ تُوجِبُهُ، فَسَمَّوْا ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا (إذْ لَوْ) لَمْ يَعْرِضْ لِلْوَجْهِ الثَّانِي لَكَانَ لَهُ شَبَهٌ مِنْ الْآخَرِ يَجِبُ إلْحَاقُهُ بِهِ.

وَأَغْمَضُ مَا يَجِيءُ مِنْ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ، وَأَدَقُّهَا مَسْلَكًا: مَا كَانَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَوَقَفَ هَذَا الْمَوْقِفَ، لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْآخَرِ إلَى إنْعَامِ النَّظَرِ، وَاسْتِعْمَالِ الْفِكْرِ وَالرَّوِيَّةِ فِي إلْحَاقِهِ بِأَحَدِ الْأَصْلَيْنِ دُونَ الْآخَرِ.

وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ يَقُولُ: إنَّ لَفْظَ الِاسْتِحْسَانِ عِنْدَهُمْ يُنَبِّئُ عَنْ تَرْكِ حُكْمٍ إلَى حُكْمٍ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ، لَوْلَاهُ لَكَانَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ ثَابِتًا.

وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْهُمَا: فَهُوَ تَخْصِيصُ الْحُكْمِ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ.

وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ فَرَاغِنَا مِنْ بَيَانِ وُجُوهِ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ مِمَّا قَسَّمْنَا عَلَيْهِ الْكَلَامَ آنِفًا، فَنَقُولُ: إنَّ نَظِيرَ الْفَرْعِ الَّذِي يَتَجَاذَبُهُ أَصْلَانِ مُلْحَقٌ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، مَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَتَقُولُ: قَدْ حِضْت، أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا تُصَدَّقَ حَتَّى يُعْلَمَ وُجُودُ الْحَيْضِ مِنْهَا، أَوْ يُصَدِّقَهَا الزَّوْجُ، إلَّا أَنَّا نَسْتَحْسِنُ فَنُوقِعُ الطَّلَاقَ.

قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقَدْ يَدْخُلُ فِي هَذَا الِاسْتِحْسَانِ بَعْضُ الْقِيَاسِ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا تُصَدَّقَ، فَإِنَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِأَصْلٍ مُتَّفَقٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>