قَبِلُوهُ مِنْ جِهَةِ الِاجْتِهَادِ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِالرَّاوِي، فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِرَاضُ بِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ الثَّابِتَةِ مِنْ طَرِيقٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ. وَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ بِعَيْنِهَا لَمْ يَجُزْ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ رَفْعُ مَا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِمَا لَا يُوجِبُهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: الْقَوْلُ بِالْعُمُومِ طَرِيقُ إثْبَاتِهِ (النَّظَرُ وَالِاسْتِدْلَالُ) فَهُوَ مِثْلُ خَبَرِ الْوَاحِدِ مِنْ جِهَةِ الثُّبُوتِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ تَخْصِيصُهُ بِهِمَا. قِيلَ لَهُ: أَمَّا قَوْلُك إنَّ طَرِيقَ إثْبَاتِ الْعُمُومِ الِاسْتِدْلَال وَالنَّظَرُ فَإِنْ كُنْت أَرَدْت بِهِ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالْعُمُومِ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ السَّلَفِ (مِنْ) الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَالتَّابِعِينَ (مِنْ) بَعْدِهِمْ لِمَا بَيَّنَّاهُ فِي صَدْرِ الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ. وَإِنْ كَانَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ دَلَائِلُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ تُوجِبُ صِحَّةَ الْقَوْلِ (بِهِ) مَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ طَرِيقُ إثْبَاتِ الْعُمُومِ الِاجْتِهَادَ وَغَالِبَ الظَّنِّ وَإِنَّمَا طَرِيقُ إثْبَاتِهِ الدَّلَائِلُ الْمُوجِبَةُ لِلْعِلْمِ بِصِحَّتِهِ. وَأَمَّا خَبَرُ الْوَاحِدِ فَغَيْرُ مُوجِبٍ لِلْعِلْمِ بِمَخْبَرِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَقْبُولٌ اجْتِهَادًا عَلَى جِهَةِ حُسْنِ الظَّنِّ بِالرَّاوِي، فَغَيْرُ جَائِزٍ تَرْكُ مُوجَبِ الْعُمُومِ مِنْ الْحُكْمِ، وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ جِهَةٍ تُوجِبُ الْعِلْمَ بِمَا لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ جَازَ تَرْكُ مَا كَانَ مُبَاحًا أَوْ مَحْظُورًا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَقَدْ كَانَ ثُبُوتُهُ مِنْ طَرِيقٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ وَهُوَ دَلَائِلُ الْعَقْلِ الَّتِي هِيَ آكَدُ فِي بَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute