للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَيْسَ الْغَرَضُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الِاحْتِجَاجُ لِلْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّمَا أَرَدْنَا أَنْ نَذْكُرَ مِثَالًا لِمَسَائِلِ الِاسْتِحْسَانِ الَّتِي تَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى لِيَكُونَ غَيْرُهُ فِيمَا سِوَاهُ، وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ تَفُوتُ الْإِحْصَاءَ. (وَ) فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذَا النَّوْعِ كِفَايَةٌ.

وَرُبَّمَا جَاءَتْ مَسَائِلُ يَذْكُرُونَ فِيهَا الْقِيَاسَ (وَ) الِاسْتِحْسَانَ، ثُمَّ يَقُولُونَ: وَبِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ فَيَتْرُكُونَ الِاسْتِحْسَانَ.

وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِمْ - فِيمَنْ أَسْلَمَ إلَى رَجُلٍ فِي ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ، ثُمَّ اخْتَلَفَا - فَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ: شَرَطْت طُولَهُ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ، وَقَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ، شَرَطْت طُولَهُ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَتَحَالَفَا وَيَتَرَادَّا السَّلَمَ، وَالِاسْتِحْسَانُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ: وَبِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ.

فَذَكَرُوا الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ جَمِيعًا، ثُمَّ تَرَكُوا الِاسْتِحْسَانَ وَأَخَذُوا بِالْقِيَاسِ.

وَوَجْهُ الْقِيَاسِ فِيهِ: أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّوْبِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: مَرْوِيٌّ وَقَالَ الْآخَرُ: هَرَوِيٌّ أَوْ اخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: جَيِّدٌ، وَقَالَ الْآخَرُ: رَدِيءٌ، أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَرَادَّانِ، لِأَنَّ السَّلَمَ عَقْدٌ عَلَى صِفَةٍ، وَاخْتِلَافُهُمَا فِي الْجِنْسِ اخْتِلَافٌ فِي الصِّفَةِ

وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ، وَكَأَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافًا فِي نَفْسِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، إذْ كَانَ السَّلَمُ عَقْدًا عَلَى صِفَةٍ، فَوَجَبَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُهُمَا فِي مِقْدَارِ الذَّرْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>