وَجِهَةٌ أُخْرَى: وَهِيَ أَنَّ عِلَلَ الشَّرْعِ لَمَّا كَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى السَّمْعِ، ثُمَّ جَازَ تَخْصِيصُ الْمَسْمُوعِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ، فَالْفَرْعُ الَّذِي هُوَ مَبْنِيٌّ (عَلَيْهِ أَوْلَى) بِالْجَوَازِ، إذْ كَانَ الْأَصْلُ آكَدُ مِنْ الْفَرْعِ. أَلَا تَرَى: أَنَّ رَادَّ الْمَسْمُوعِ نَفْسَهُ يَسْتَحِقُّ التَّكْفِيرَ، وَرَادَّ الْعِلَلِ الْمُسْتَنْبَطَةِ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، فَعَلِمْتَ أَنَّ الْمَسْمُوعَ آكَدُ فِي بَابِ ثُبُوتِهِ مِنْ الْعِلَلِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْهُ. فَمِنْ حَيْثُ جَازَ تَخْصِيصُ الْمَسْمُوعِ، كَانَ تَخْصِيصُ عِلَلِهِ الَّتِي هِيَ فَرْعٌ لَهُ أَوْلَى بِذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ الْعِلَلِ فِيمَا وَصَفْتَ بِالْأَسْمَاءِ، لِأَنَّ الِاسْمَ إنَّمَا جَازَ فِيهِ التَّخْصِيصُ، لِأَنَّ مَا يَبْقَى بَعْدَ التَّخْصِيصِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ (عِبَارَةً عَنْهُ، نَحْوُ قَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] ، وَقَوْلِهِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: ٣٨] جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ هَذَا الِاسْمُ) عِبَارَةً عَنْ الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْعِلَلِ، لِأَنَّ الْعِلَلَ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِهَا الْحُكْمُ لِوُجُودِهَا، وَمَتَى لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ تَكُنْ عِلَّةً. قِيلَ (لَهُ) : قَدْ رَضِينَا بِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ إنْ كُنْتَ مِمَّنْ تَعْقِلُ مَعَانِيَ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ.
فَنَقُولُ: إنَّهُ لَمَّا جَازَ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ مِنْ حَيْثُ صَلُحَ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ عِبَارَةً عَنْ الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ (جَازَ أَيْضًا تَخْصِيصُ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ، مِنْ حَيْثُ صَلُحَ أَنْ تَكُونَ أَمَارَةً لِلْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ) أَلَا تَرَى: أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تُجْعَلَ الْعِلَّةُ أَمَارَةً فِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ، كَمَا جَازَ فِي الِاسْمِ، فَلَوْ جَعَلْنَا ذَلِكَ ابْتِدَاءً دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِنَا صَحَّ الِاسْتِدْلَال بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute