فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا فَغَيْرُ جَائِزٍ تَرْكُهُ فِي حَالٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ} [يونس: ٣٢] . قِيلَ لَهُ: هُوَ حَقٌّ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَمْ تَقُمْ الدَّلَالَةُ عَلَى مَنْعِهِ، غَيْرُ حَقٍّ فِي مَوْضِعٍ قَدْ قَامَتْ الدَّلَالَةُ فِيهِ عَلَى مَنْعِهِ. كَمَا أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْعُمُومِ حَقٌّ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَمْ تَقُمْ الدَّلَالَةُ عَلَى تَخْصِيصِهِ، غَيْرُ حَقٍّ فِي مَوْضِعٍ قَدْ قَامَتْ فِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى تَخْصِيصِهِ، وَالْمَنْعُ مِنْ اسْتِعْمَالِ حُكْمِهِ. وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَوْ لَمْ يَكُنْ وُجُودُ الْعِلَّةِ مَعَ عَدَمِ الْحُكْمِ قَاضِيًا بِفَسَادِهَا، لَمَا اسْتَدْرَكَ عَلَى أَحَدٍ مُنَاقَضَةً فِي عِلَّةٍ يَعْتَلُّ بِهَا، لِأَنَّهُ يَقُولُ: إنَّمَا خَصَّصَتْهَا لِقِيَامِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهَا. قِيلَ لَهُ: لَيْسَ شَرْطُ الْمُنَاقَضَةِ فِي عِلَلِ الشَّرْعِ وُجُودَ الْعِلَّةِ مَعَ عَدَمِ الْحُكْمِ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، فَلَيْسَ لَك الِاعْتِرَاضُ بِهِ مَعَ خِلَافِنَا إيَّاكَ فِي أَنَّهُ مُنَاقَضَةٌ، وَلَيْسَ بِمُنَاقَضَةٍ. وَإِنَّمَا يَكُونُ مُنَاقَضًا عِنْدَنَا إذَا لَمْ تَقُمْ الدَّلَالَةُ فِي الْأَصْلِ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ، وَيُدَّعَى أَنَّ الْعِلَّةَ كَيْتُ وَكَيْتُ، ثُمَّ تُوجِدُهُ (بَعْدَ ذَلِكَ) غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِلْحُكْمِ. فَأَمَّا إذَا قَامَتْ الدَّلَالَةُ فِي الْأَصْلِ عَلَى صِحَّتِهَا لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ تُوجَدَ بَعْدَ ذَلِكَ، غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلْحُكْمِ فِيمَا قَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى تَخْصِيصِهِ، وَيَكُونُ الْمُعْتَلُّ بِهَا (مُنَاقِضًا مُخْطِئًا) مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنْ تَقُومَ الدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ، فَيَتْرُكُ حُكْمَهَا مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ صَحِيحَةٍ تُوجِبُ تَخْصِيصَهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ مُنَاقَضَةً، وَتَكُونُ الْعِلَّةُ صَحِيحَةً، وَالْمُعْتَلُّ مُنَاقِضٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute