للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعِنْدَ مَنْ يَعْتَبِرُ تَعَلُّقَ الْأَحْكَامِ بِهَا أَنْ يَكُونَ الْأَشْبَهُ (عِنْدَهُ) مَا وَافَقَهَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَيَكُونُ أَشْبَهَ بِهَا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَلَا يَكُونُ الْأَشْبَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرُدُّ الْحَادِثَةَ إلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ. ثُمَّ قَدْ يَكُونُ بَعْضُ الْجُمْلَةِ أَشْبَهَ بِالْحَادِثَةِ مِنْ بَعْضٍ عَلَى حَسَبِ مَا يَقْتَضِيه الِاجْتِهَادُ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ الْأَشْبَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ، وَإِنَّمَا يَقْضِي فِيهِ بِالْأَشْبَهِ فِي اجْتِهَادِهِ، وَفِي غَالِبِ ظَنِّهِ، وَهُوَ الْحُكْمُ الَّذِي تَعَبَّدَ بِهِ وَأَمَرَ بِإِنْفَاذِهِ. فَكُلُّ مَنْ قَالَ بِالِاجْتِهَادِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، مِمَّنْ قَالَ: إنَّ الْحَقَّ فِي جَمِيعِ أَقَاوِيلِ الْمُخْتَلِفِينَ لَا يَرَوْنَ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى دَلِيلًا وَاحِدًا مَنْصُوبًا يُوَصِّلُ إلَى الْعِلْمِ بِالْأَشْبَهِ بِالْحَادِثَةِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا يَقُولُ: إنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دَلَائِلَ، هِيَ أَشْبَاهٌ وَأَمْثَالٌ مِنْ الْأُصُولِ، يَجِبُ إلْحَاقُ الْحَادِثَةِ بِأَشْبَهِهَا، عَلَى حَسَبِ مَا يُوجِبُهُ الِاجْتِهَادُ.

وَقَدْ يُؤَدِّي اجْتِهَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ إلَى خِلَافِ مَا يُؤَدِّيه اجْتِهَادُ الْآخَرِ، فَتَخْتَلِفُ الْأَحْكَامُ عَلَيْهِمْ عَلَى حَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ اجْتِهَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، لِأَنَّ الْحَادِثَةَ لَهَا شَبَهٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَحْكَامِ. وَمَنْ قَالَ: إنَّ الْحَقَّ فِي وَاحِدٍ وَالْمُصِيبُ وَاحِدٌ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ، وَالْبَاقُونَ مُخْطِئُونَ، فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى دَلِيلًا وَاحِدًا مَنْصُوبًا عَلَى حُكْمِ الْحَادِثَةِ، وَلَيْسَ لِلْحَادِثَةِ إلَّا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، تُوجِبُ حُكْمًا وَاحِدًا، يَجِبُ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا دُونَ غَيْرِهَا.

ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ الدَّلِيلَ يُوَصِّلُ الْقَائِسَ وَالْمُسْتَدِلَّ إلَى الْعِلْمِ بِالْمَطْلُوبِ وَيُعْذَرُونَ مَعَ ذَلِكَ الْمُخْطِئِ لَهُ، وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ وَبِشْرٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَا يُوَصِّلُ إلَى الْعِلْمِ بِالْحُكْمِ الَّذِي كُلِّفَ إصَابَتَهُ، لَكِنَّهُ يَغْلِبُ فِي اجْتِهَادِهِ أَنَّهُ الْحُكْمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>