للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: يَكُونُ هَذَا كَمَنْ قَصَدَ بِرَمْيَتِهِ مُشْرِكًا فَأَصَابَ مُسْلِمًا، فَيَكُونُ مُصِيبًا فِي اجْتِهَادِهِ مُخْطِئًا فِي إصَابَتِهِ الْمُسْلِمَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْهُ بِقَتْلِ الْمُسْلِمِ. قِيلَ لَهُ: هَذَا وَالِاجْتِهَادُ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ سَوَاءٌ، وَهُوَ أَحَدُ الْأُصُولِ الَّتِي يُرَدُّ إلَيْهَا حُكْمُ الْمُجْتَهِدِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّامِيَ مَأْمُورٌ بِالِاجْتِهَادِ فِي التَّسْدِيدِ وَالرَّمْيِ نَحْوُ الْكَافِرِ، وَالْكَافِرُ هُوَ الْمَطْلُوبُ بِالرَّمْيِ، وَالرَّامِي غَيْرُ مُكَلَّفٍ لِلْإِصَابَةِ، لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الرَّمْيِ الَّذِي يُوجِبُ الْإِصَابَةَ، وَبَيْنَ الرَّمْيِ الَّذِي لَا يُوجِبُهَا وَإِنَّمَا الْحُكْمُ الَّذِي عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ فِي طَالِبِ الْإِصَابَةِ، كَمَا أَنَّ الْمُجْتَهِدَ فِي حُكْمِ الْحَادِثَةِ إنَّمَا الْحُكْمُ الَّذِي كُلِّفَهُ الِاجْتِهَادُ فِي تَحَرِّي مُوَافَقَةِ الْأَشْبَهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يُكَلَّفْ إصَابَتَهُ. فَإِذَا أَخْطَأَ رَمْيَ الْكَافِرِ، وَأَصَابَ مُسْلِمًا، فَهُوَ غَيْرُ مُخْطِئٍ لِمَا كُلِّفَهُ مِنْ الْحُكْمِ، وَإِنْ أَخْطَأَ الْمَطْلُوبَ.

كَذَلِكَ الْمُجْتَهِدُ، وَإِنْ أَخْطَأَ الْمَطْلُوبَ فَقَدْ اجْتَهَدَ وَأَصَابَ الْحُكْمَ الَّذِي كُلِّفَهُ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَيْسَ هَذَا الْخَطَأُ خَطَأً فِي الدِّينِ، وَلَا خَطَأً فِي الْحُكْمِ كَانَ عَلَيْهِ إصَابَتُهُ. كَمَا أَنَّ خَطَأَ الرَّامِي لَيْسَ خَطَأً لِلْحُكْمِ، وَإِنَّمَا هُوَ خَطَأٌ لِلْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ، وَهُوَ مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِرَمْيِهِ مُصِيبٌ لِحُكْمِهِ، مَأْجُورٌ عَلَى فِعْلِهِ. وَكَذَلِكَ الْمُجْتَهِدُ فِي حُكْمِ الْحَادِثَةِ، مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى فِي اجْتِهَادِهِ، مُصِيبٌ لِحُكْمِهِ مَعَ خَطَئِهِ لِلْمَطْلُوبِ الَّذِي يَتَحَرَّاهُ بِاجْتِهَادِهِ. كَمَا أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ رَمْيَ مُؤْمِنٍ فَأَصَابَ كَافِرًا حَرْبِيًّا، كَانَ رَمْيُهُ مَعْصِيَةً (مَعَ إصَابَتِهِ الْكَافِرَ، لِأَنَّ السَّبَبَ الَّذِي عَنْهُ كَانَتْ الْإِصَابَةُ مَعْصِيَةٌ) إنْ كَانَ قَتْلُ الْكَافِرِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ مَأْمُورًا بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَيَجِيءُ عَلَى قِيَاسِ هَذَا الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ رَامِي الْكَافِرِ إذَا أَصَابَ الْمُسْلِمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>