للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فُرُوضِ صَلَاتِهِ، وَخَلْفَهُ قَوْمٌ يَأْتَمُّونَ بِهِ، وَيُرَاعُونَهُ، ثُمَّ لَا يُوقِفُونَهُ عَلَى خَطَئِهِ، وَلَا يُنَبِّهُونَهُ عَلَى مَوْضِعِ إغْفَالِهِ؟ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا وُقُوعُهُ، فَكَيْفَ جَازَ وُقُوعُ التَّوَاطُؤِ مِنْ السَّلَفِ عَلَى تَرْكِ تَوْقِيفِ الْمُخْطِئِ عِنْدَهُمْ، وَإِظْهَارِ النَّكِيرِ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَقْبَلْ، وَلَمْ يُرَاجَعْ؟

وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ مِنْهُمْ تَرْكُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، فَكَيْفَ اتَّفَقُوا عَلَى إجَازَةِ أَحْكَامِ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي الْحَوَادِثِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ، وَسَوَّغُوا لَهُمْ الْفُتْيَا بِهَا، وَإِلْزَامَ النَّاسِ إيَّاهَا، وَأَحْسَبُهُمْ جَعَلُوهُمْ مَعْذُورِينَ فِي اجْتِهَادِهِمْ، فَكَيْفَ أَجَازُوا لَهُمْ إمْضَاءَ تِلْكَ الْأَحْكَامِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي دِمَائِهِمْ وَفُرُوجِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ؟ وَمَنْ الَّذِي أَوْجَبَ عَلَى الْعَالِمِ إجَازَةَ خَطَأِ الْجَاهِلِ عَلَى نَفْسِهِ؟ وَكَانَ لَا أَقَلُّ مِنْ أَنْ يَنْهَوْهُمْ فِي أَنْ يَتَعَدَّوْا أَحْكَامَهُمْ، إذْ كَانَ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا خَطَأٌ، خِلَافُ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْ لَا يُلْزِمُوهَا أَنْفُسَهُمْ، وَأَنْ لَا يُلْزِمُوا النَّاسَ قَبُولَهَا وَإِنْفَاذَهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ. فَإِنْ نَهَوْهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا، وَأَوْقَفُوهُمْ عَلَى مَوْضِعِ إغْفَالِهِمْ فَلَمْ يَنْتَبِهُوا، وَعَرَّفُوهُمْ مَوْضِعَ الدَّلِيلِ فَلَمْ يَقْبَلُوا، وَأَقَامُوا عَلَيْهِمْ الْحُجَّةَ فَأَصَرُّوا عَلَى الْخَطَأِ، كَانَ لَا أَقَلَّ أَنْ يَكُونَ سَبِيلُهُمْ سَبِيلُ الْخَوَارِجِ، وَمَنْ عَدَلَ عَنْ الْحُكْمِ الَّذِي قَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ، أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَمْنَعُونَ قَبُولَ فُتْيَاهُ وَأَحْكَامَهُ الَّتِي هِيَ خَطَأٌ عِنْدَهُمْ.

أَلَا تَرَى: أَنَّهُمْ حِينَ رَأَوْا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ يُجِيزُ الصَّرْفَ وَيُبِيحُ الْمُتْعَةَ أَنْكَرُوهُ وَأَخْبَرُوهُ بِحُكْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمَا بِالتَّحْرِيمِ؟ فَلَمَّا تَوَاتَرَ عِنْدَهُ الْخَبَرُ مِنْ نَاحِيَتِهِمْ بِذَلِكَ انْتَهَى عَنْ قَوْلِهِ فِيهِمَا، وَرَجَعَ عَنْهُ. أَلَا تَرَى: أَنَّ قَوْلَهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ صَوَابًا أَنْكَرُوهُ، وَلَمْ يَعْذُرُوهُ؟ وَلَوْ كَانَ سَبِيلُ الْمُجْتَهِدِ عِنْدَهُمْ إذَا خَالَفَهُمْ كَسَبِيلِ النَّاسِي لِرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، لَمَّا تَرَكُوا مُوَافَقَتَهُ، كَمَا لَا يَتْرُكُ الْمَأْمُومُ مُوَافَقَةَ الْإِمَامِ إذَا نَسِيَ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إذَا أَعْطَيْتُمُونَا أَنَّ الْأَشْبَهَ لَهُ حَقِيقَةٌ مَعْلُومَةٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>