للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا سَمَّاهُ أَجْرًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ. قِيلَ لَهُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَمَّاهُ أَجْرًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ، حِينَ كَانَ الْوَعْدُ بِهِ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلٍ يَكُونُ مِنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] . فَسَمَّى الْجَزَاءَ سَيِّئَةً عَلَى وَجْهِ الْمُقَابَلَةِ.

وَوَجْهٌ آخَرُ فِي إيجَابِهِ الْأَجْرَيْنِ لِمَنْ أَصَابَ الْأَشْبَهَ مِنْهُمَا: وَهُوَ أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ إصَابَةُ الْمَطْلُوبِ الَّذِي هُوَ الْأَشْبَهُ مُتَعَلِّقَةً بِضَرْبٍ مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاجْتِهَادِ، يُصَادِفُ بِهَا مُوَافَقَةَ الْأَشْبَهِ، وَإِنْ كَانَ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا دُونَهَا مِنْ التَّقَصِّي وَالْمُبَالَغَةِ فِيهِ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا، وَلَمْ يَكُنْ مُطْلَقًا لِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَلَا يُصِيبُ الْأَشْبَهَ مَعَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ الضَّرْبَانِ جَمِيعًا مِنْ الِاجْتِهَادِ جَائِزَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَفْضَلَ مِنْ الْآخَرِ، لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْمَشَقَّةِ فِي النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ. إذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا: جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُصِيبُ لِلْأَشْبَهِ الْمَطْلُوبِ مُسْتَحَقًّا لِزِيَادَةِ الثَّوَابِ عَلَى حَسَبِ وُقُوعِ زِيَادَةِ اجْتِهَادِهِ عَلَى اجْتِهَادِ الَّذِي قَصَّرَ عَنْ مُوَافَقَةِ الْأَشْبَهِ. وَهَذَا جَائِزٌ سَائِغٌ، نَحْوُ وُرُودِ الْعِبَادَةِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ: {وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور: ٦٠] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} [النور: ٦٠] فَبَيَّنَ حُكْمَ الْمُبَاحِ الَّذِي يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ، وَأَبَانَ عَنْ مَوْضِعِ الْفَضْلِ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [البقرة: ١٨٤] . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ١٨٤] ، فَأَبَاحَ لَنَا الْإِفْطَارَ، وَأَخْبَرَ بِالْفَصْلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>