للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعْطَاهَا رَبُّ الْمَالِ الْمَسَاكِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢٧١] . فَيَسْتَدِلُّ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢٧١] عَلَى سُقُوطِ حَقِّ الْإِمَامِ فِي أَخْذِهَا مَتَى أَخْرَجَهَا رَبُّ الْمَالِ. وَهَذَا نَظِيرُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَعْطَاهَا الْفُقَرَاءَ وَأَخْفَاهَا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْخُذُهَا مِنْهُ ثَانِيًا. وَمَوْضِعُ دَلَالَةِ الْآيَةِ لَا يَتَنَافَى لِأَنَّا نَقُولُ: إخْفَاؤُهَا خَيْرٌ لَهُ، وَلِلْإِمَامِ مَعَ ذَلِكَ أَخْذُهَا، فَإِذَنْ لَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى مَوْضِعِ الْخِلَافِ، بَلْ دَلَالَتُهَا عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا أَظْهَرُ مِنْهَا عَلَى قَوْلِ الْمُخَالِفِ، لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ خَيْرٌ لَهُ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَأْخُذُ مَرَّةً أُخْرَى فَيَحْصُلُ لَهُ الصَّدَقَةُ مَرَّتَيْنِ فَيَكُونُ خَيْرًا لَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَمِنْ نَظَائِرِ احْتِجَاجِهِمْ بِمَا رُوِيَ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا فِي الْوُضُوءِ» قَالُوا: فَهَذَا أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى " الْمَسْحَ مَرَّةً وَاحِدَةً " لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَيْهِ وَخَبَرُ الزَّائِدِ أَوْلَى وَمَتَى حَمَلْت عَلَيْهِمْ مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ وَقَابَلْته بِمَوْضِعِ الْخِلَافِ لَمْ يُعْتَرَضْ عَلَيْهِ لِأَنَّا لَمْ نَخْتَلِفْ فِيهِ أَنَّهُ يَمْسَحُ ثَلَاثًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي تَجْدِيدِ الْمَاءِ لِكُلِّ مَسْحَةٍ، وَلَيْسَ لِهَذَا الْمَعْنَى ذِكْرٌ فِي الْخَبَرِ، وَالِاحْتِجَاجُ بِهِ ضَرْبٌ مِنْ الْمُغَالَطَةِ. وَنَحْوُهُ الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دَمِ الْحَيْضِ «حُتِّيهِ ثُمَّ اُقْرُصِيهِ ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>