فَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَبَيْنَ دَلَالَةِ الْخُصُوصِ فِي أَنَّ دَلَالَةَ الْخُصُوصِ تَجْعَلُ اللَّفْظَ مَجَازًا وَلَا يَصِيرُ مَجَازًا بِالِاسْتِثْنَاءِ، فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ إنَّ وُرُودَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ بِالْجُمْلَةِ يَجْعَلُ اللَّفْظَ مَجَازًا لِأَنَّ الْأَلْفَ لَا يَكُونُ أَبَدًا عِبَارَةً عَنْ أَقَلَّ مِنْهَا فَإِذَا قَالَ {أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: ١٤] (فَإِنَّمَا) أَطْلَقَ اسْمَ الْأَلْفِ وَمُرَادُهُ أَقَلَّ مِنْهَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا مَجَازًا وَاخْتِلَافُهُمَا مَرْجِعُهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَفْظٌ مُتَّصِلٌ بِالْجُمْلَةِ وَدَلَالَةُ الْخُصُوصِ لَيْسَتْ بِلَفْظٍ مُتَّصِلٍ بِهَا وَلَا يُوجَبُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ، لِأَنَّ لِمُخَالِفِهِ أَنْ يَقُولَ إذَا جَازَ أَنْ يُرِيدَ بِالْأَلِفِ أَقَلَّ مِنْهَا لِمَا صَحِبَهُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ، وَلَمْ يَمْنَعْ (ذَلِكَ مِنْ) بَقَاءِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي الْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ، فَكَذَلِكَ إطْلَاقُ لَفْظِ الْعُمُومِ مَعَ إرَادَةِ الْخُصُوصِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ دَلَالَةِ اللَّفْظِ فِيمَا عَدَا الْمَخْصُوصَ. وَأَمَّا مَنْ وَافَقَهُ فِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَجْعَلُ الْجُمْلَةَ الْأُولَى مَجَازًا فَإِنَّهُمْ فَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: مَنْ يَقُولُ فِي دَلَالَةِ الْخُصُوصِ كَمَا يَقُولُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ بِالْجُمْلَةِ، وَيَجْعَلُ اللَّفْظَ حَقِيقَةً فِي الْبَاقِي، وَيَأْبَى أَنْ يَكُونَ قِيَامُ دَلَالَةِ الْخُصُوصِ يَجْعَلُ اللَّفْظَ مَجَازًا، وَيَقُولُ إنَّ مَا كَانَ هَذَا وَصْفَهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ لَمْ يَكُنْ قَطُّ عُمُومًا أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ عَلَى حَسَبِ مَا بَيَّنَّاهُ فِيمَا سَلَفَ وَحَكَيْنَاهُ عَنْ قَائِلِهِ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْخُصُوصِ يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ عَلَى جِهَةِ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ إذَا كَانَ اسْمًا لِثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ فَمَا فَوْقَهَا ثُمَّ قَالَ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] وَقَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ لَا يُقْتَلُونَ فَمَنْ بَقِيَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُقْتَلُونَ يَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِمْ لَا مَجَازًا فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا عَدَا الْمَخْصُوصَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute