للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَفْظَ التَّحْرِيمِ لَمَّا تَنَاوَلَ فِعْلَنَا صَارَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ فِعْلُكُمْ فِي الْأُمَّهَاتِ وَفِي الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا فَيَسُوغُ اعْتِبَارُ الْعُمُومِ فِي سَائِرِ الْأَفْعَالِ إلَّا مَا قَامَ دَلِيلُهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمَّا كَانَ حُكْمُهُ فِيمَا وَصَفْنَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْأَسْمَاءِ الْمُضَمَّنَةِ بِأَغْيَارِهَا فَيُفِيدُ إطْلَاقَهَا مَا ضُمِّنَتْ بِهِ كَقَوْلِنَا ضَرَبَ يَقْتَضِي ضَارِبًا وَمَضْرُوبًا وَجَذَبَ يَقْتَضِي مَجْذُوبًا وَأَبٌ يَقْتَضِي ابْنًا وَابْنٌ يَقْتَضِي أَبًا وَشَرِيكٌ يَقْتَضِي شَرِيكًا وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ كَانَ التَّحْرِيمُ مُضَمَّنًا بِأَفْعَالِنَا يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ عَارِيًّا مِنْهَا وَصَارَ إطْلَاقُهُ مُقْتَضِيًا لِنَفْيِ جَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْفِعْلِ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] حُرِّمَ عَلَيْكُمْ فِعْلُكُمْ فِي الْمَيْتَةِ فَيَجُوزُ اعْتِبَارُ الْعُمُومِ فِيهِ.

وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ هُنَاكَ عَادَةٌ لِقَوْمٍ فِي اسْتِبَاحَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْأُمَّهَاتِ وَالْأَخَوَاتِ عَلَى نَحْوِ مَا عَلَيْهِ الْمَجُوسُ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْنَافِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهِنَّ. وَقَوْمٌ كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِالْمَيْتَةِ عَلَى حَسَبِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْمُذَكَّى كَانَ مَخْرَجُ الْكَلَامِ تَحْرِيمَ مَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَسْتَبِيحُونَهُ فَيَكُونُ هَذَا الْمَعْنَى (مُتَعَلِّقًا مَعْقُولًا بِوُرُودِ) اللَّفْظِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ (حَرَّمْت عَلَيْكُمْ الِاسْتِمْتَاعَ بِالْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُنَّ) . وَحَرَّمْت عَلَيْكُمْ الِانْتِفَاعَ بِالْمَيْتَةِ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ الْمُعْتَادَ مَتَى خَرَجَ عَلَيْهِ الْخِطَابُ صَارَ كَالْمَنْطُوقِ بِهِ فِيهِ فَيَصِحُّ اعْتِبَارُ الْعُمُومِ فِيهِ.

فَإِنْ قَالَ: مَا أَنْكَرْت أَنْ يَكُونَ وُرُودُ اللَّفْظِ هَذَا الْمَوْرِدَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا لِأَنَّهُ عَلَّقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>