قِيلَ لَهُ: فَقَدْ تَرَكْت دَعْوَاك الْأُولَى فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ وَانْتَقَلْت إلَى أَنَّ افْتِقَارَ ذِكْرِ التَّخْصِيصِ إلَى الْفَائِدَةِ هُوَ الْمُوجِبُ لِمَا ذَكَرْت فَنَقُولُ لَك الْآنَ خَبَرْنَا عَنْك أَتَقُولُ إنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِ التَّخْصِيصِ إلَّا دَلَالَتُهُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ مَا عَدَاهُ بِخِلَافِهِ. فَإِنْ قَالَ: كَذَلِكَ أَقُولُ. قِيلَ لَهُ: وَلِمَ قُلْت هَذَا، وَ (مَا) أَنْكَرْت أَنْ يَكُونَ فِيهِ فَوَائِدُ أُخَرُ غَيْرُ مَا ادَّعَيْت. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَدُلَّ قَوْله تَعَالَى {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَزْدَرِيَهُ وَيَضْرِبَهُ لِأَنَّ هَذَا هُوَ فَائِدَةُ تَخْصِيصِ هَذَا اللَّفْظِ بِالذِّكْرِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَدُلَّ قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إمْلَاقٍ} [الإسراء: ٣١] عَلَى أَنَّ لَنَا قَتْلَهُمْ إذَا لَمْ نَخْشَ الْإِمْلَاقَ. وَيَدُلُّ قَوْله تَعَالَى {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: ٣٦] عَلَى أَنَّ لَنَا أَنْ نَظْلِمَ أَنْفُسَنَا فِي غَيْرِهِنَّ إذْ لَا فَائِدَةَ لِلتَّخْصِيصِ (بِالذِّكْرِ) إلَّا هَذَا، وَمَتَى أَخْلَيْنَا اللَّفْظَ مِنْ هَذِهِ الْفَائِدَةِ حَصَلَ ذِكْرُ التَّخْصِيصِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ. وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ (فِي) كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى مَا لَا يُفِيدُ، فَإِذًا قَدْ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ مَا ذَكَرَهُ. فَإِنْ قَالَ: إنَّمَا جَعَلْنَا مَا عَدَا الْمَذْكُورَ فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا بِدَلَالَةِ وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ حُكْمُهَا أَنْ تَكُونَ بِخِلَافِ حُكْمِ الْمَذْكُورِ. قِيلَ لَهُ: فَيَجُوزُ عِنْدَك أَنْ يَرِدَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى كَلَامٌ فِيهِ تَخْصِيصُ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ بِالذِّكْرِ ثُمَّ تَقُومُ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَخْصِيصِهِ إيَّاهُ بِذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute