للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا لَفْظُ الْعُمُومِ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِجَمِيعِ مَا انْطَوَى تَحْتَهُ لَيْسَ بَعْضُ ذَلِكَ بِأَوْلَى (بِهِ) مِنْ بَعْضٍ فَلِذَلِكَ وَجَبَ اسْتِعْمَالُ الْجَمِيعِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ إجْمَالٌ إذْ لَا إجْمَالَ (فِيهِ) . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ أَعْطِ رِجَالًا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بَعْدَ سَنَةٍ فَالْمُتَيَقَّنُ مِنْ الْمُرَادِ ثَلَاثَةٌ وَمَا عَدَاهُمْ فَهُوَ مُحْتَمَلٌ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ رِجَالَ الدُّنْيَا كُلَّهُمْ وَإِنَّمَا أَرَادَ (بِهِ) بَعْضَهُمْ فَكَانَ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ إجْمَالٌ لِمَا فَوْقَ الصَّلَاةِ فَلِذَلِكَ كَانَ فِي مَعْنَى الْمُجْمَلِ الْمُفْتَقِرِ إلَى الْبَيَانِ، وَلَوْ قَالَ أَعْطِ هَذَا رِجَالًا وَلَمْ يُوَقِّتْ لَهُ وَقْتًا وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ لَكَانَ هَذَا عَلَى ثَلَاثَةٍ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ تَنْفِيذُ الْحُكْمِ فِي الْحَالِ فِيمَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُ. فَمَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ وَفِي تَرْكِهِ الْبَيَانَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ إعْطَاءُ الْعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي الْحَالِ وَلَا يُمْكِنُهُ إنْفَاذُهَا فِي الْحَالِ إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. فَالثَّلَاثَةُ لَا مَحَالَةَ مُرَادَةٌ وَمَا زَادَ فَهُوَ (فِيهِ) بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُمْ مِنْهَا وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَرَ عَلَى الثَّلَاثَةِ كَمَا أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فِي أَنْ يُعَيِّنَهَا فِيمَنْ شَاءَ مِنْ الْمُعْطَيْنَ وَإِنْ لَمْ يَقْتَضِ اللَّفْظُ التَّعْيِينَ.

وَمِمَّا يُشَاكِلُ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: ٧٩] قَدْ لَزِمَنَا اعْتِقَادُ كَوْنِهِمْ ثَلَاثَةً وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا أَكْثَرَ مِنْهَا وَيَحْتَمِلُ فِي هَذَا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَهَا ثَلَاثَةً لَا أَكْثَرَ مِنْهُمْ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ مُتَيَقَّنَةٌ وَالزِّيَادَةُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهَا مُرَادَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>