للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَعَلَ الْبَيَانَ الرَّابِعَ: مَا ابْتَدَأَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ السُّنَنِ فِي حَيِّزِ مَا ابْتَدَأَهُ اللَّهُ مِنْ الْفُرُوضِ وَأَنْ يَكُونَا جَمِيعًا قِسْمًا وَاحِدًا. وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُخْتَلِفَيْنِ فِي جِهَةِ الْبَيَانِ وَلَيْسَ يَخْتَلِفُ الْبَيَانُ بِالْقَائِلِينَ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ فِي نَفْسِهِ.

فَإِذَا بَانَ مَا سَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْتَدَأَهُ غَيْرَ مُخَالِفٍ لِمَا ابْتَدَأَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْفُرُوضِ فِي وُقُوعِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنَى فَهُمَا مِنْ قِسْمٍ وَاحِدٍ. وَلَوْ جَازَ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ قِسْمًا (آخَرَ) مِنْ الْبَيَانِ لَجَازَ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ فَرْضٍ عَلَى حِدَةٍ قِسْمًا آخَرَ مِنْ الْبَيَانِ، وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ لِأَقْسَامِ الْبَيَانِ مِقْدَارٌ مَعْلُومٌ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى.

وَجَعَلَ الْبَيَانَ الْخَامِسَ: الِاجْتِهَادَ، وَالِاجْتِهَادُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا (قَدْ) قَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِهِ فَإِنَّ مَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ إنَّمَا (هُوَ) غَلَبَةُ ظَنٍّ لَيْسَ بِيَقِينٍ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ يَقَعُ بِهِ بَيَانُ الْحُكْمِ فِي الْحَقِيقَةِ. أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: ٤٤] فَذَكَرَ الْمَنْصُوصَ وَوَصَفَهُ بِالْبَيَانِ وَلَمْ يَجْعَلْ مَا كَانَ طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادَ فِي حَيِّزِ مَا وَقَعَ الْبَيَانُ فِيهِ، إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ سَمَّى الِاجْتِهَادَ بَيَانًا مِنْ حَيْثُ أُمِرْنَا بِهِ لَمْ يَسُقْ الْعِبَارَةَ عَنْهُ بِذَلِكَ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِجْمَاعَ فِي أَقْسَامِ الْبَيَانِ، وَكَانَ الْإِجْمَاعُ أَوْلَى بِذِكْرِهِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاجْتِهَادِ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ وُقُوعُ الْخَطَأِ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>