أَنَّ) تَأْخِيرَ بَيَانِهِمَا يُؤَدِّي إلَى جَوَازِ التَّعَبُّدِ بِاعْتِقَادِ الشَّيْءِ عَلَى خِلَاف مَا هُوَ بِهِ.
وَأَيْضًا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: ٤] وَقَالَ {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: ١٩٥] ، وَفِي مُخَاطَبَاتِ الْحُكَمَاءِ أَنَّ الْكَلَامَ إذَا انْقَطَعَ ضَرْبًا مِنْ الِانْقِطَاعِ يُعْرَفُ بِهِ الْفَرَاغُ مِنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ اعْتِقَادُ مُوجِبِهِ غَيْرَ مُنْتَظَرٍ بِهِ وُرُودُ بَيَانٍ فِي الثَّانِي يَنْفِي بَعْضَ مُوجِبِهِ، كَمَا يُعْقَلُ مِثْلُهُ فِي الْإِعْدَادِ إذَا عُرِّيَتْ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ، فَلَوْ أَنَّ مُتَكَلِّمًا أَطْلَقَ لَفْظَ عُمُومٍ أَوْ عَدَدًا مَعْلُومَ الْمِقْدَارِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ: أَرَدْت بَعْضَ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ حَكَمُوا عَلَيْهِ بِالْكَذِبِ فِي مَقَالَتِهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِأَلْفٍ (دِرْهَمٍ) ثُمَّ قَالَ بَعْدَ زَمَانٍ: أَرَدْت تِسْعَمِائَةٍ، وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمَا اُسْتُنْكِرَ عَلَى أَحَدٍ كَذِبٌ أَبَدًا، لِأَنَّ كُلَّ مَا يَنْفِي بِهِ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ (مَا أَرَدْتُهُ) بِاللَّفْظِ أَوْ أَرَدْت نَفْيَهُ بِشَرْطٍ، فَلَمَّا كَانَ جَوَازُ ذَلِكَ مَنْفِيًّا عَنْ مُخَاطَبَاتِنَا فِيمَا بَيْنَنَا وَجَبَ أَنْ يَنْتَفِيَ عَنْ خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى (وَخِطَابِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى) إنَّمَا خَاطَبَنَا بِمَا هُوَ فِي لُغَتِنَا وَتَعَارُفِنَا.
فَإِنْ قَالَ (قَائِلٌ) : يَلْزَمُك مِثْلُهُ فِي النَّسْخِ لِأَنَّ كُلَّ مَا وَرَدَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَاجِبٌ عَلَيْنَا اعْتِقَادُ بَقَاءِ حُكْمِهِ، ثُمَّ لَا يَمْتَنِعُ مَعَ ذَلِكَ وُرُودِ نَسْخِهِ، كَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَلْزَمَنَا اعْتِقَادُ الْعُمُومِ مَا لَمْ يَرِدْ بَيَانُ الْخُصُوصِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute