{فَلَا وَرَبِّك لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥] ، وَالْقَضَاءُ يُسَمَّى أَمْرًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقَضَى رَبُّك أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا} [الإسراء: ٢٣] مَعْنَاهُ أَمْرٌ مُتَضَمِّنٌ لُزُومَ الْأَمْرِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [النور: ٦٣] . وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَعِيدَ لَا يَلْحَقُ تَارِكَ النَّدْبِ وَالْمُبَاحِ، فَدَلَّ عَلَى لُزُومِ الْأَمْرِ وَوُجُوبِهِ لَوْلَا (هَا) مَا اسْتَحَقَّ الْوَعِيدَ بِتَرْكِهِ.
وَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا أَوْعَدَ مَنْ خَالَفَ الْأَمْرَ، وَتَارِكُ الْمَأْمُورِ بِهِ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِلْأَمْرِ. قِيلَ لَهُ: (بَلْ) هُوَ مُخَالِفٌ لِلْأَمْرِ، لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ أَفْطَرَ فِي (شَهْرِ) رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ خَالَفْت أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْمَأْمُورِ بِهِ مُخَالِفٌ لِلْأَمْرِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {مَا مَنَعَك أَلَّا تَسْجُدَ إذْ أَمَرْتُك} [الأعراف: ١٢] فَعَلَّقَ ذَمَّهُ بِتَرْكِ الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ تَارِكَ الْأَمْرِ مُسْتَحِقٌّ لِلَّوْمِ وَذَلِكَ حُكْمُ الْوَاجِبَاتِ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا ذَمَّهُ لِأَنَّهُ اسْتَكْبَرَ لِمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {إلَّا إبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ} [البقرة: ٣٤] . قِيلَ لَهُ: قَدْ ذَمَّهُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا عَلَى تَرْكِ الْأَمْرِ وَعَلَى الِاسْتِكْبَارِ، وَلَوْلَا أَنَّ تَرْكَ الْأَمْرِ بِمُجَرَّدِهِ مَذْمُومٌ لَمَّا قَرَنَهُ إلَى الِاسْتِكْبَارِ فِيمَا عَنَّفَهُ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute