فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَوْضُوعُ اللَّفْظِ لِإِفَادَةِ كَوْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ حَسَنًا مَمْدُوحًا، وَأَنَّهُ لِلْإِيجَابِ مُتَعَلِّقٌ بِإِرَادَةِ الْآمِرِ فَمَتَى صَارَ عَارِيًّا عَنْ دَلَالَةِ الْإِيجَابِ لَمْ نَحْمِلْهُ عَلَيْهِ لِفَقْدِ عِلْمِنَا بِإِرَادَتِهِ إذْ كَانَتْ الصِّيغَةُ لَا تُفِيدُ الْإِيجَابَ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تُفِيدُهُ لَأَفَادَتْهُ حَيْثُ وُجِدَتْ وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهَا قَدْ تَرِدُ وَلَا يُرَادُ بِهَا الْإِيجَابُ. قِيلَ لَهُ: فَمَا تَقُولُ إذَا وَرَدَتْ الصِّيغَةُ مُقَارِنَةً لِدَلَالَةِ الْإِيجَابِ؟ أَيَكُونُ اللَّفْظُ عِنْدَك مُسْتَعْمَلًا لِلْإِيجَابِ حَقِيقَةً أَمْ مَجَازًا؟ فَإِنْ قَالَ: حَقِيقَةً.
قِيلَ لَهُ: إنَّ الْحَقَائِقَ لَا تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهَا بِالْإِرَادَاتِ وَلَا تَنْتَفِي عَمَّا هِيَ مَوْضُوعَةٌ لَهُ فِي مُوَاصَفَاتِ اللُّغَةِ فِيهَا بِحَالٍ فَإِذَا قَدْ أَعْطَيْت أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ لِلْإِيجَابِ حَقِيقَةً عِنْدَ إرَادَةِ الْآمِرِ ذَلِكَ فَهَلَّا دَلَّك هَذَا عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَصْلِ لِلْإِيجَابِ فَيُعْقَلُ بِهِ ذَلِكَ عِنْدَ وُرُودِهِ فَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقِفَ فِيهِ إلَى أَنْ يَعْرِفَ إرَادَةَ الْقَائِلِ إذَا لَمْ يَقْرِنْهُ بِدَلَالَةٍ تُزِيلُهُ عَنْ حَقِيقَتِهِ، بَلْ يَكُونُ وُرُودُهُ مُطْلَقًا دَلَالَةً عَلَى إرَادَةِ الْقَائِلِ لِلْإِيجَابِ، لِأَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ فَيَجِبُ إمْضَاؤُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَوْضُوعِهِ فِي اللُّغَةِ، كَمَا أَنَّ سَائِرَ الْأَسْمَاءِ الْمَوْضُوعَةِ لِمُسَمَّيَاتِهَا حَقِيقَةٌ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ مَتَى وَرَدَتْ مُطْلَقَةً لَمْ يَجُزْ الْوُقُوفُ فِيهَا إلَى أَنْ يَتَعَرَّفَ إرَادَةَ الْقَائِلِ بِإِطْلَاقِهَا وَوُجُوبَ إمْضَائِهَا عَلَى مَوْضُوعِهَا فِي اللُّغَةِ مَتَى لَمْ يَقْرِنْهُ بِدَلَالَةٍ تُزِيلُهُ عَنْ حَقِيقَتِهِ، وَكَلَفْظِ الْعُمُومِ لَمَّا كَانَ فِي مَوْضُوعِ اللُّغَةِ أَنَّهُ لِلشُّمُولِ وَالِاسْتِيعَابِ لَمْ يَحْتَجْ عِنْدَ وُرُودِهِ مُطْلَقًا إلَى مُسَاعَدَةِ الدَّلَالَةِ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْعُمُومِ. فَإِنْ قَالَ: إنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ مَتَى وَرَدَ مُقَارِنًا لِدَلَالَةِ الْإِيجَابِ كَانَ مَجَازًا مُسْتَعْمَلًا فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ رَفَعَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لِلَفْظِ الْإِيجَابِ صِيغَةٌ فِي اللُّغَةِ، وَخَرَجَ (بِهِ) أَيْضًا عَنْ قَوْلِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ وَلَزِمَهُ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فِيمَا سَلَفَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute