مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الْمَعْنَى صَارَ كَمَنْ قِيلَ لَهُ لَا تَتْرُكْهُ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ كَرَاهَةَ تَرْكِهِ عَلَى الْفَوْرِ، فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَ فِعْلُهُ، وَالْحَالُ عَلَى وَجْهِ الْإِيجَابِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فِي الْقَوْلِ بِإِيجَابِ الْأَمْرِ عَلَى الْفَوْرِ إثْبَاتُ الْوَعِيدِ عَلَى تَارِكِهِ فِي الْحَالِ وَلَفْظُ الْأَمْرِ لَا يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ إلَّا بِدَلَالَةٍ. قِيلَ لَهُ: قَدْ ثَبَتَ وُجُوبُ الْأَمْرِ وَمَا كَانَ وَاجِبًا فَهُوَ يَقْتَضِي ذَمَّ تَارِكِهِ، فَلَسْنَا نَحْتَاجُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى اسْتِئْنَافِ دَلَالَةٍ عَلَى ذَمِّ تَارِكِهِ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا السُّؤَالُ لَاعْتُرِضَ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْأَمْرِ فِي الْأَصْلِ وَلَسَاغَ لِمَنْ يَنْفِي ذَلِكَ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ رَأْسَا، فَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ لِمَنْ نَفَى وُجُوبَ الْأَمْرِ لِلدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِهِ، كَذَلِكَ لَا يُعْتَرَضُ عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِهِ عَلَى الْفَوْرِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَرِدُ الْأَمْرُ وَالْمُرَادُ الْفَوْرُ، وَقَدْ يَرِدُ وَالْمُرَادُ الْمُهْلَةُ. وَلَا دَلَالَةَ فِي اللَّفْظِ عَلَى لُزُومِ فِعْلِهِ فِي الْحَالِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ إلْزَامُهُ فِي الْحَالِ إلَّا بِدَلَالَةٍ. قِيلَ لَهُ: لَمْ يَثْبُتْ أَمْرٌ عَلَى الْمُهْلَةِ إلَّا وَآخِرُ وَقْتِهِ مَعْلُومٌ مُعَيَّنٌ. فَقَوْلُك إنَّهُ قَدْ يَرِدُ وَالْمُرَادُ الْمُهْلَةُ (خَطَأٌ عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ) ، وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ وُرُودُهُ وَالْمُرَادُ الْمُهْلَةُ لَمَّا كَانَ مُؤَثِّرًا فِي صِحَّةِ قَوْلِنَا، لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ بِدَلَالَةِ غَيْرِ اللَّفْظِ كَمَا يَخُصُّ الْعُمُومَ بِدَلَالَةٍ وَكَمَا يُصْرَفُ اللَّفْظُ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ بِدَلَالَةٍ وَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي (صِحَّةِ اعْتِبَارِنَا الْقَوْلَ بِالْعُمُومِ) وَوُجُوبُ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى الْحَقِيقَةِ. فَإِنْ قَالَ: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ لَازِمًا عَلَى الْفَوْرِ لَسَقَطَ فِعْلُهُ بِتَرْكِهِ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا يَسْقُطُ الْأَمْرُ الْمُؤَقَّتُ بِتَرْكِ فِعْلِهِ فِي الْوَقْتِ. قِيلَ لَهُ: الَّذِي كَانَ وَاجِبًا فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ لَيْسَ هُوَ الْوَاجِبَ فِي الْوَقْتِ التَّالِي بَلْ قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute