للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلْيَصْفَحُوا} [النور: ٢٢] رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ مِسْطَحِ بْنِ أَثَاثَةَ حِينَ حَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَلَا يُنْفِقَ عَلَيْهِ لِمَا كَانَ مِنْهُ فِي أَمْرِ عَائِشَةَ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِتَرْكِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَثَبَتَ أَنَّ حَلِفَهُ عَلَى فِعْلٍ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ، فَكَمَا جَازَ لَهُ تَرْكُهُ رَأْسًا فَكَيْفَ لَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ عَلَى الْفَوْرِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا وَجَّهَ اسْتِدْلَالَنَا مِنْهُ أَنَّ الْخَبَرَ وَالْيَمِينَ لَمْ تُفِيدَا فِعْلَ الْمُخْبَرِ عَنْهُ وَالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَمْ يَقْتَضِ اللَّفْظُ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْأَمْرُ وَاخْتِلَافُهُمَا مِنْ جِهَةِ مَا يُعَلَّقُ بِالْأَمْرِ مِنْ الْإِيجَابِ دُونَ الْخَبَرِ لَا يُوجِبُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا. قِيلَ لَهُ: فَاَلَّذِي (فِيهِ) إلْزَامُ الْفِعْلِ إنَّمَا كَانَ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ أَجْلِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ الْوُجُوبِ، وَاَلَّذِي لَيْسَ فِيهِ إلْزَامُ الْفِعْلِ لَمْ يَقْتَضِ الْحَالَ لِعَدَمِ الْإِلْزَامِ. فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا كَانَ وُرُودُ الْأَمْرِ يَقْتَضِي عُمُومَ فِعْلِهِ فِي سَائِرِ الْأَزْمَانِ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ كَانَ لَهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ مِنْهَا، لِأَنَّ فِي إلْزَامِهِ إيَّاهُ عَلَى الْفَوْرِ تَخْصِيصًا لِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِدَلِيلٍ. قِيلَ لَهُ: قَوْلُك إنَّهُ عُمُومٌ فِي الْأَزْمَانِ غَلَطٌ لِأَنَّ الزَّمَانَ غَيْرُ مَذْكُورٍ، فَيَكُونُ عُمُومًا مِنْ طَرِيقِ اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ لِتَرْكِهِ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>