بَابُ الْقَوْلِ فِي الْأَمْرِ الْمُؤَقَّتِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إذَا وَرَدَ الْأَمْرُ مُؤَقَّتًا بِوَقْتٍ لَهُ أَوَّلٌ وَآخِرٌ وَأُجِيزَ لَهُ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ نَحْوُ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مُخْتَلِفُونَ فِي وَقْتِ وُجُوبِهِ. فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: قَدْ وَجَبَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا فَإِذَا انْتَهَى إلَى آخِرِ الْوَقْتِ بِمِقْدَارِ مَا يُؤَدِّي فِيهِ الْفَرْضَ صَارَ وُجُوبُهُ مُضَيَّقًا. وَكَذَلِكَ قَالَ هَؤُلَاءِ فِي الزَّكَاةِ أَنَّهَا قَدْ وَجَبَتْ بِوُجُوبِ النِّصَابِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا إلَى آخِرِ الْحَوْلِ فَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ صَارَ وُجُوبُهَا مُضَيَّقًا، لِأَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَهُمْ فِي الشَّرِيعَةِ يَتَعَلَّقُ بِالشَّيْءِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ. أَحَدُهُمَا: ثُبُوتُ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَلُزُومُهُ إيَّاهُ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ مَعَهُ الْفِعْلُ. وَالْآخَرُ: وُجُوبُ الْأَدَاءِ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ، أَنَّ وُجُوبَهُ قَدْ تَعَلَّقَ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَدَاءُ فِي الْحَالِ ثُمَّ إذَا أَجَّلَ تَعَلَّقَ عَلَيْهِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ قَدْ تَعَلَّقَ وُجُوبُهُ فِي ذِمَّتِهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمَا جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلَةٍ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لَوْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِحُلُولِ الْأَجَلِ لَمَا صَحَّ الْعَقْدُ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَتَعَلَّقَ حُدُوثُ الْمِلْكِ فِيهِ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ.
أَلَا تَرَى: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ لِأَنَّهُ عَلَّقَ وُجُوبَ الْمِلْكِ عَلَى مَجِيءِ الْوَقْتِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ قَدْ مُلِكَ فِي ذِمَّةِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ أَدَاؤُهُ إلَّا بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ. قَالُوا: فَكَذَلِكَ الْفَرْضُ قَدْ وَجَبَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا حَتَّى إذَا صَارَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ لَزِمَهُ الْأَدَاءُ وَلَمْ يَسْعَهُ التَّأْخِيرُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute