للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ غَيْرُ الْوَاجِبِ (الَّذِي) كَانَ فِي الْمَاضِي، وَهَذَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي خِطَابٍ وَاحِدٍ كَانَ جَائِزًا مُسْتَقِيمًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: تَمَسَّكُوا بِتَحْرِيمِ السَّبْتِ، إلَى مِائَةِ سَنَةٍ ثُمَّ أَحِلُّوهُ كَانَ جَائِزًا.

وَكَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تُطْلِقَ الْقَوْلَ بِتَحْرِيمِ السَّبْتِ ثُمَّ تُبَيِّنَ الْوَقْتَ الَّذِي انْتَهَى إلَيْهِ مُدَّةُ التَّحْرِيمِ عَلَى حَسَبِ مَا عَلِمَ سُبْحَانَهُ مِنْ مَصَالِحِ الْعِبَادِ فِيهِ، وَكَمَا (أَنَّهُ) جَازَ أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَ أَحْكَامِ الْعِبَادِ فَيَتَعَبَّدُ بَعْضَهُمْ بِحُكْمٍ، وَ (يَتَعَبَّدُ) بَعْضَهُمْ بِضِدِّ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، نَحْوُ تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ، وَإِيجَابِهِمَا عَلَى الطَّاهِرِ عَلَى حَسَبِ مَا عُلِمَ مِنْ مَصَالِحِهِمْ. كَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَ أَحْكَامِهِمْ (فِي زَمَانَيْنِ وَكَمَا جَازَ أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَهُمْ فِي تَغْيِيرِهِ وَأَفْعَالِهِ فِيهِمْ نَحْوُ أَنْ) يُمِيتَ وَاحِدًا وَيَخْلُقَ آخَرَ وَيُمْرِضَ وَاحِدًا وَيُصِحَّ آخَرَ وَيُغْنِيَ وَاحِدًا وَيُفْقِرَ آخَرَ، وَ (يَفْعَلَ) ذَلِكَ بِوَاحِدٍ فِي زَمَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى الْبَدَاءِ وَعَلَى الرُّجُوعِ عَمَّا أَرَادَهُ، لِأَنَّ الَّذِي أَرَادَهُ فِي الثَّانِي غَيْرُ الَّذِي أَرَادَهُ فِي الْأَوَّلِ. وَكَذَلِكَ الْعِبَادَاتُ تَجْرِي عَلَى هَذَا الْمِنْهَاجِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مُبَاحًا لِوَلَدِ آدَمَ مِنْ صُلْبِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَخُ مِنْهُمْ بِأُخْتِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ تَنَاسُلٌ وَهُوَ مُحَرَّمٌ فِي شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ وَسَائِرِ الشَّرَائِعِ بَعْدَهَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يُوجِبُ الْبَدَاءَ، وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ السَّبْتِ وَسَائِرُ الشَّرَائِعِ الَّتِي يُجَوِّزُ الْعَقْلُ حَظْرَهَا تَارَةً وَإِبَاحَتَهَا أُخْرَى جَائِزٌ نَسْخُهَا وَالْإِبَانَةُ عَنْ مُضِيِّ وَقْتِ تَحْرِيمِهَا.

وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ مِنْهُمْ أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ شَرِيعَةَ التَّوْرَاةِ لَا تُنْسَخُ، فَإِنَّهُ مُعْتَرِفٌ أَنَّ التَّوْرَاةَ قَدْ أَنْبَأَتْ عَنْ نُبُوَّةِ أَنْبِيَاءَ بَعْدَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (وَإِذْ كَانَ كَذَلِكَ فَمَعْلُومٌ أَنَّ تَحْرِيمَ السَّبْتِ مُعَلَّقٌ بِتَوْقِيفِ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) فَإِذَا أَحَلَّتْهُ صَارَ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>